+A
A-

الناشط عطية الله روحاني: تسييس العمل النقابي يضرب حقوق العامل بمقتل

البلاد - إبراهيم النهام
قال الناشط الحقوقي والعمالي عضو مجلس مفوضي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عطية الله حسن روحاني إن “تسييس العمل النقابي يضرب حقوق العامل بمقتل؛ لأن التسييس يفرق ولا يوحد، وينهي مصدر رزق العامل الذي يعمل ويكدح”.
وأوضح روحاني بحديثه للبلاد أن “زج أنشطة النقابات بالمطالب السياسية، سيفقد النقابات أهدافها الحقيقية التي وجدت من أجلها؛ لأنه ستكون هنالك فرق وأحزاب متفاوتة الأهداف والرؤى تمثل فئة معينة من العمال، وتهمش الأخرى”.
وبين “البحرين متميزة بالتعددية النقابية والتي تضفي روح الديمقراطية وأحقية الاختيار للعامل، والدولة والتشريع منحت للعمال كل شيء، من أحقية تشكيل النقابات وتنظيمها، وعليه فلابد أن نرتقي للثقافة النقابية الصحيحة والتي تضع مصلحة العامل والوطن قبل أي شيء”.

وفيما يأتي نص اللقاء:
* ما قراءتك للحركة النقابية في البحرين بعد عقود طويلة من النشاط الذي شابها الشد والجذب؟
الحركة النقابية البحرينية لا تزال نشطة وخصبة رغم التحديات المستمرة، ذات شأن وتقدير ومكانة، وهي نتاج تراكمات حضارية ترجع إلى الخمسينات، إذ بدأت الحركات النقابية البحرينية حينها تنشط بشكل مجموعات ولجان - غير رسمية - دافعت وناضلت لنيل العمال لحقوقهم، واستمر الوضع كذلك حتى مطلع فجر المشروع الإصلاحي والذي منحها الأفق والمكانة والروح والهوية والحقوق.
وخلال عقود من النشاط النقابي المتنوع، واجهت التحركات النقابية الكثير من التحديات، بطليعتها الحرب العراقية الإيرانية، وغزو الكويت، والتقلبات الرهيبة التي واكبت أسعار النفط، وانحدار الطفرة الاقتصادية التي انتعشت بها دول الخليج بثمانينات القرن الماضي.
لكنها ظل على الدوام شعلة ومنارة يفتخر بها البحرينيون، بل وميزة ونقطة تفوق تميزها عن نظرائها بدول المنطقة كلها.

* برأيك، متى انطلقت الإصلاحات العمالية الفعلية؟
في العام 2001 تحديداً، مع انبلاج فجر المشروع الإصلاحي، والذي كانت أولى بوادره التركيز على الحركة العمالية، وأذكر حين دعا جلالة الملك قرابة 60 نشاطا نقابيا وعماليا لوجبة غداء حضرها سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، وقبل بدء مأدبة الغداء، ألقى جلالته خطبه تاريخية مثلت البداية الحقيقية للحركة النقابية والعمالية البحرينية وكانت هي نقطة البداية الفعلية بالمشروع الإصلاحي ككل.
قال جلالته يومها “بهذا اليوم وهذا التاريخ سوف تستبدل اللجان المشتركة إلى مؤسسات نقابية، وتاريخ 1 مايو سيكون عطلة رسمية لكل العمال تماشياً مع عيد العمال العالمي”. وعليه كنا ثاني دولة خليجية تسير مع دول الخليج.

* ما التغيير الذي طرأ هنا؟
إنك وحين تمنح العامل الحق في تأسيس نقابته، فإنك تمنحه هوية وثقة ومكانة، وترفد المزيد من القوة للعمال، الذين يمثلون ثقلاً أساسياً للاقتصاد الوطني؛ لأن لديهم ما يستندون إليه وما يحميهم.
ومن الأمثلة على ذلك نقابة ألبا، فالعمال، الذين يبلغ عددهم قرابة 2500 عامل، يدفعون اشتراكات تذهب لصندوق يدعم احتياجاتهم ومتطلباتهم. ووصلت الموجودات بالصندوق لمبالغ تعدت النصف مليون دينار، وهي استفادة امتدت من 2002 وحتى العام 2010.

* ما الذي ضرب الحركة العمالية بعد العام 2010؟
التسييس، وزج عمل وأنشطة النقابات بالمطالب السياسية، وما جرى من أمور في العام 2011، وأي بلد يدخل عماله في القضايا السياسية والحزبية فإن أنشطتهم ستفسد وستفقد أهدافها الحقيقية التي وجدت من أجلها؛ لأنه ستكون هنالك فرق وأحزاب متفاوتة الأهداف والرؤى تمثل فئة معينة من العمال، وتهمش الأخرى.
وعليه فتسييس العمل النقابي يضرب حقوق العامل بمقتل؛ لأن التسييس يفرق ولا يوحد، وينهي مصدر رزق العامل الذي يعمل ويكدح.

* تمثل التعددية النقابية مكسباً للعمال، ما المخرجات التي حققها هذا التنوع في البحرين؟
البحرين متميزة بالتعددية النقابية والتي تضفي روح الديمقراطية وأحقية الاختيار للعامل، والمتعارف عليه أن التعددية النقابية عادة ما تتواجد بالدول ذات المساحات الجغرافية والسكانية الكبيرة كمصر، ووجودها بالبحرين يحمل دلالات إيجابية عن جودة وتميز المشروع الإصلاحي، بل إن التعددية النقابية أقرت بقانون من قبل مجلسي الشورى والنواب.
واختلاف الرؤى ما بين نقابة وأخرى لا تعني التضارب بمصالح العامل والتي تكون الركيزة التي تقوم عليها النقابة، بل تمنح العامل أحقية الاختيار والتنوع بذلك، ففي ألبا مثلاً هنالك نقابتين تمثلان العمال، ولكل منها مزاياها، ولو ارتأى مجلس الإدارة بعكس ذلك لما سمح بها.

* كيف نستطيع خلق ثقافة التقريب ما بين النقابات بعيداً عن التنافر والتصادم؟
الإنسان خلق حر فكريا وأيدلوجيا، والنقابات تمثل مصالح العمال والتي تجسد المصلحة العامة، وكلما تثقف القائمون على النقابة بحقوق العامل وبماهية المصالح العامة، كل ما ابتعدت عن التنافر والتضارب، وكل ما كان التشاور بينهم والتعاون حاضراً، والقيمة ليست بكثرة الآراء بل بالتنوع والجدية بأخذ الآراء الصحيحة.

* هل أنت على رضا وقناعة بالإحصاءات التي تخرج لنا بين الحين والآخر عن البحرنة؟ بماذا تنصح؟
الأداء الراهن لوزارة العمل ووزيرها تحديداً ممتاز ويعكس الواقعية والتماشي مع المتطلبات، خصوصاً أن البحرين تواجه الكثير من التحديات الداخلية والخارجية لاسيما الاقتصادية والسياسية منها.
وعليه، فمن الإشكالات الحقيقية التي تواجه البحرنة وتوظيف البحرينيين هي نفور الكثير من العاطلين عن العمل عن وظائفهم الجديدة ورغبتهم بالتوجه لوظائف أخرى، وبذلك معضلة مضافة على كاهل الوزارة وجهود القائمين عليها، وما يشمل ذلك من حضور للجنة التظلمات وتواصلها مع الموظفين.
هناك توظيف مستمر، وخطط لا تتوقف، ولكن يجب ألا نستهين بالظروف القائمة.

* بماذا تفسر نفور بعض الشركات الكبرى من توظيف البحرينيين بأبسط الوظائف وتوجهها للأجانب؟
أحداث 2011 ألقت بظلالها على الشركات الكبرى في البحرين، خصوصاً الأجنبية منها، هناك أزمة ثقة في توظيف البحرينيين، والدولة بحاجة لتواجد هذه الشركات بالبحرين وبعملها وباستثماراتها، ووفقاً لذلك فمن الصعب أن تفرض عليها الشروط والاملاءات فيما يخص التوظيف.
من جانب آخر، أذكر بواجبات الأسرة تجاه أبنائها، فليس من المعقول أن ترفع الأسرة مسؤولياتها التربوية والاجتماعية تجاه أبنائها، وحين تحدث المشاكل وتبعاتها تلقي بظلال المسؤولية على الدولة، بذلك تناقض والتفاف على الحقائق والواقع، ولذلك فمن الأهمية أن نحارب زرع الكراهية والتطرف؛ لأنها الطريق الأول للسقوط.

* لماذا لا نرى جهوداً واضحة للنقابيين بعد خروجهم للتقاعد؟ ألا ترى أن الدور بهذه المرحلة يمثل أهمية لا تقل عن سابقتها؟
هناك توجهين لهم بواقع الأمر، الأول أن هنالك من يريد أن يشتري راحته، وأن يكمل فترة التقاعد بهدوء، بعيداً عن الضجيج والإزعاج، القسم الآخر اتجه ليكون مستشاراً في هذا المجال بعدد من المؤسسات والشركات المهمة، منهم النقابي المعروف من (بتلكو) سعيد السماك والذي يقود اليوم جمعية الحكمة للمتقاعدين، يعاضده النقابي سعد سلطان، وغيرهم الكثير.

* ما الذي تحتاجه الحركة النقابية البحرينية اليوم؟
الشفافية، وتأتي من عدم الانصياع لأقاويل هذا وذاك، مع التركيز على مصلحة العامل بالدرجة الأولى، والتي ستنعكس إيجابا على الشركة والوطن ككل، والنقابيون يكونون شركاء فاعلين في بناء ونجاح المصانع والمؤسسات، حين يفكرون بالمصلحة العامة وليس الفردية أو الحزبية.

* بماذا تنصح الدولة لإثراء عمل ووجود وكيان الحركة النقابية؟
الدولة والتشريع منحت للعمال كل شيء، من أحقية تشكيل النقابات وتنظيمها، حتى حق الإضراب موجود، أما أن تستغل النقابة لتوجه كحربة ضد الحركة النقابية والعمالية وتسيسها، فهذا أمر مقبول ولن ينتج إلا الأزمات.
لابد أن نرتقي للثقافة النقابية الصحيحة، وأن نأخذ من تجارب الأوروبيين والأميركان بهذا المضمار والذين يتقدمون به عنا بعشرات السنين.