+A
A-

سلمان زيمان: الأغنية الفلسطينية تقاوم الاحتلال

يسلط الفنان البحريني سلمان زيمان الأضواء على الأبعاد الإنسانية والفنية والاجتماعية والسياسية للأغنية التي اتخذت من فلسطين، أرضاً وشعباً، موضعاً لها لتؤكد نفسها وسيلة من وسائل المقاومة والصمود.
ولما كانت هذه الأغنية تؤدي دوراً فاعلاً في حفظ التراث والهوية، يقدم زيمان بحثاً بعنوان “فلسطين في أغانينا”، راصداً فيه التطور المدني والحضاري للمجتمع الفلسطيني الذي كان رائداً قبل تقسيم فلسطين بالعام 1948.
كذلك يوضح أن الفنين الغنائي والموسيقى في المجتمع الفلسطيني كانا في مستوى متقدم ومتفاعل مع ما يبدعه الفنانون في المجتمعات الأخرى من حوله، مصر ولبنان وسوريا وغيرها، في هذين المجالين.
ويلقي زيمان الضوء على أهم رواد الغناء الفلسطينيين في تلك المرحلة: عبد السلام الأقرع، وحسين النشاشيبي، وإلياس شهلا، وجوليا السلطي، ورياض البندك، وروحي خماش، وأمينة المعماري، ومتري الزائر، وحنا فاشة وغيرهم. فضلاً عن فنانين أبدعوا في غناء التراث الشعبي، أمثال: وأبو جاسر أمريني، وأبو حسين العبليني، وأبو الحكم البرقيني، وأبو سعود الأسدي وغيرهم.
ويشير إلى أن الأغنية الفلسطينية تتضمن بياناً وموقفاً إنسانياً وسياسياً يعلنه الأفراد والأحزاب، وتحمل فلسفة ومواقف منتجها ووجهة نظره، بل أساليب الحلول التي يراها ويتبناها لمقاومة العدو وتحقيق الانتصار. ولذلك نلاحظ تنوع نصوص هذا الشكل من الأغاني بقدر تنوع الفصائل الفلسطينية ومواقفها السياسية وفلسفة كل منها وأيديولوجيته، فكل منها يملك صانعين ومحترفين يبدعون له خصوصاً أغاني تطير بفلسفته عبر الأثير إلى شتى الآذان، أغاني خاصة تردد في مهرجانات كل فصيل، وتمثله في المناسبات العامة والمشتركة.
يحدد الفنان سلمان زيمان في بحثه “فلسطين في أغانينا” أهم مراكز الغناء والموسيقى التي كانت نشطة قبل تقسيم فلسطين: مدرسة تراسنطة، وجمعية الشبان المسيحية - القدس والإذاعة الفلسطينية - القدس، وإذاعة الشرق الأدنى - جنين المسيحيي، مستعرضاً ما جاء في كتاب الباحث وليد الخالدي “قبل الشتات” وفيه يعرض التاريخ المصور للشعب الفلسطيني 1876 - 1948، يقدم في كتابه صورة ذات أهمية قصوى من هذه الناحية، وهي عبارة عن صورة للفرقة الموسيقية في المدرسة الأورثوذكسية في يافا (سنة 1938)، تشكل دليلاً على مستوى التطور الموسيقي آنذاك، ليأتي قيام إسرائيل في المنطقة العربية ويتسبب في مآسٍ وآلام كثيرة للشعب الفلسطيني، بل الشعوب العربية كلها.
يقول زيمان: “من خلال بحثي، تبين لي أن الأغنية الفلسطينية مرت بمراحل مهمة ومؤثرة عدة، وكانت منعطفاتها متلازمة وانعكاساً للمنعطفات السياسية التي تعرضت لها فلسطين كأرض وشعب بالقرن الماضي. التطور الأول فرضته الظروف التي برزت بعد صدور “وعد بلفور” المشؤوم بالعام 1917، ثم تبعته محطة ثانية بالعام 1936 مع ثورة الشعب الفلسطيني الأولى ضد الاستعمار البريطاني وضد العصابات الصهيونية، التي بدأت تسيطر على الأراضي وتتمدد وتبني المستوطنات وتقيم لها مليشيات تحميها”.
وبرز في تلك الفترة فنانون مقاومون كثيرون حملوا الموال و”ثيمات” الأغاني الشعبية المتداولة في المناسبات المختلفة، مستخدمين تراثهم الشعبي مثل “الدلعونا، والجفرا، وزريف الطول، والميجانا والعتابا، والمثمن، والطلعة، والحدادي، والكرادي، والمحوربة، والقصيد، والسامر، والهجيني، والشروقي”.
ويعلق زيمان: “هذا الموال، أو الأغنية إن صح التعبير، تُظهر نبوغ الحدس الشعبي لما يجري، وتختزل وتوثق الوقائع والحوادث وكل ما تعرضت له أرض فلسطين آنذاك من مؤامرة دولية”.
في أمثلة أخرى يترجم التفاعل في الأغنية والموال الفلسطينيين مع كل ما يطرأ من حوادث هناك، لنجد صداه في نصوص يبدعها المغني أو الشاعر والعوام من الناس، ويصل صداها إلى كل من أفتقد الأمان والحرية والأرض وتعصره طواحين المستعمر المغتصب.
ويستمر دور الأغنية والموال بالمشاركة في خوض المعركة المصيرية لهذا الشعب الذي أظهر قدرة فائقة على النهوض دائماً من جديد، بعد كل كبوة وإخفاق، بل بعد كل هزيمة ونكبة.
إنه العام 1948، عام التقسيم وقضم أرض فلسطين بقرار جائر من منظمة الأمم المتحدة، عام قيام الكيان الصهيوني وما تبعه من هزائم لجيوش العرب، بالإضافة إلى الدعم السخي للدول الإمبريالية والاستعمارية المقدم للكيان الصهيوني المنَصَب على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
وتستمر الأغنية إلى جانب طرائق وأساليب المقاومة الأخرى، تستمر في أداء دورها المضمد للجراح حيناً، والمحرض نحو الصمود والمقاومة والثورة دائماً. مثلاً، بهذه الأبيات كان العرسان الفلسطينيون يزفون آنذاك... كلمات لا تخلو من رماح، وهجمات، وضرب سلاح.
يبدع البحرينيون ويسخّرون فنهم الغنائي في صالح الوقوف مع الحق الفلسطيني ولإظهار تضامنهم مع الفلسطينيين وحقهم المقدس في العودة إلى أرضهم. وتطول قائمة المؤمنين منهم بدور الفن المسخر لخدمة القضية، وفاعليته في المساهمة في المعركة لصالح الحق الفلسطينيين العربي.
فعمران جمال أنتج عملين غنائيين في هذا المجال، ولحن الفنان حسن حداد قصيدة “إنهم أشباح” وقدمها ضمن ألبوم “آلهة الحرب”، كذلك لحن قصائد عدة لمحمود درويش إلا أنها لم تنفذ حتى الآن.
بدوره، ساهم الفنان علي بحر وفرقة “الأخوة” بتقديم أكثر من عمل غنائي يتضامن مع القضية الفلسطينية، وكانت مشاريع أخرى لكل من الفنانين محمد جواد ويوسف الغانم وعلي الرويعي، بالإضافة إلى عدد كبير من أناشيد يقدمها بعض فرق الإنشاد المهتمة بقضية التضامن مع فلسطين.
يختم زيمان متسائلاً: “ألا ترون معي أن حجم المشاركات والمساهمات الإبداعية للفن الغنائي البحريني لنصرة فلسطين لافت بالمقارنة مع بلدان عربية أكبر بكثير مساحة وسكاناً من البحرين؟ أترك الإجابة للمتخصصين”.