+A
A-

جاسم الزياني: هكذا انتقلنا من تجارة اللؤلؤ إلى عالم السيارات

البلاد - حــوار: زينب العكري
لقاؤنا اليوم مع أحد التجار المعروفين من عائلة الزياني، العائلة التي اشتهرت منذ زمن طويل بتجارة اللؤلو؛ الأمر الذي جعلها من الأسر الميسورة في البحرين، تعيش مظاهر التمدن والتحضر، وتهتم بالعلم منذ مطلع القرن العشرين.
جاسم عبدالرحمن الزياني هو رئيس مؤسسة جاسم الزياني وأولاده، أصغر أولاد المرحوم عبدالرحمن الزياني سنًّا، ولديه أخوان راشد الذي يكبره بـ 10 سنوات ومن بعده أحمد، إضافة إلى أربع أخوات. كان لـ “البلاد” مع جاسم هذا اللقاء الجميل:

ماذا عن البدء.. النشأة والدراسة؟
قيل لي عندما كبرت أنني ولدت في صيف العام 1928، وعرفت لاحقا أن ولادتي كانت في بيتنا الذي بني من سعف النخيل (العريش) الكائن في منطقة القضيبية.
كانوا يسموني بـ “ابن الدخترة”، إذ كانت ولادتي متعثرة على يد قابلة، مما دفع العائلة إلى اللجوء إلى مستشفى الإرسالية الأميركية، وهو المستشفى الوحيد في البحرين آنذاك، فأرسلوا ممرضة آسيوية (هندية) إلى بيتنا لمساعدة والدتي في الولادة. وجاءت التسمية “ابن الدخترة” نسبة إلى الممرضة التي أتمت الولادة، ففي ذلك الوقت لم يكن الناس يفرقون بين الممرضة والطبيبة التي تسمى باللهجة البحرينية “الدخترة”.
ولست متأكدا من أنني ولدت في العام 1928؛ لأن من يذهب لاستخراج جواز السفر آنذاك هو من يحدد عمره؛ ولأنني سافرت إلى الهند وأنا في سن مبكرة جداً. والراجح أن والدي الذي استخرج جواز السفر أضاف إلى عمري بضع سنوات حتى أبدو أكبر سنًّا ويسمح لي بالسفر، ولكنني بالطبع لا أدري كم سنة أضاف، ولا أعلم كم يكون عمري الحقيقي، لكنني أتبع ما كتب في جواز السفر.
درست في مدرسة الهداية الخليفية في الأربعينات. ثم أرسلني والدي إلى مومباي في سن الرابعة عشرة تقريبا، بعد أن نجحنا في تجارتنا، التي دفعت أخي راشد إلى ترك الوظيفة الحكومية التي كان يعمل فيها، ليتفرغ للعمل مع والدي.
حصلت على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية والمحاسبة، وكانت هذه الشهادة في تلك الفترة تعادل شهادة الدكتوراه حاليًا. وتعلمت اللغة الهندية بحكم إقامتي في مومباي. ودرست لغات أخرى بصورة مبسطة كالألمانية التي احتجتها بسبب بعض أنشطتنا التجارية، وكنت كثير السفر إلى ألمانيا، وعينت مدرسا خاصا لتعليمي.

متى تأسست شركتكم؟
توارثنا الشركة من جدي، إلى والدي، حتى وصلت لنا أنا وإخواني. وكانت البداية الفعلية في الأربعينات باسم عبدالرحمن الزياني وأولاده.
كنت أنا وإخوتي شركاء بعد تنازل الوالد عن حقوقه لنا نحن الثلاثة. وبعد وفاته قسمنا الشركة، وأخذ كل واحد منا حصته، وبعدها رزق كل منا بالأولاد، وأراد كل أب أن يسيّر أمور الشركة بالطريقة التي يراها مناسبة.

متى بدأ جاسم الزياني في التجارة؟
في مطلع الأربعينات من القرن الماضي كنت تلميذا في المدرسة، في الوقت الذي كان أخي راشد يدرس في الجامعة الأميركية ببيروت، بينما كان أخي أحمد يعمل في تجارة اللؤلؤ في الهند.
بقيت إلى جانب والدي لأساعده، وبدأت بالعمل مساعدا له في تحصيل إيجارات المحلات (الدكاكين) التي كنا نملكها بمبلغ “روبيتين” للدكان الواحد. لقد كانت تجربتي في مهنة تحصيل الإيجارات فريدة من نوعها، وتعلمت منها كيفية التعامل مع أناس يكبرونني سنًّا ويفوقنني خبرةً، ولديهم القدرة على المماطلة واختلاق الأعذار والمجادلة، فتعلمت من هذه التجربة دروسا في الصبر والمثابرة والتحاور مع الآخرين.
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية، كان لها تأثير سلبي على كل شيء، وتوقف استيراد البضائع من كثير من الدول، ولم تبق أمامنا إلا نافذة الهند التي لم تكن مفتوحة على مصراعيها؛ فبسبب ظروف الحرب ومتطلباتها فرضت الحكومة الهندية قيودا صارمة على التصدير.
كان الحصول على إذن بتصدير أي بضاعة صعبًا، لكننا كنا محظوظين بوجود أخي أحمد في مومباي بالتحديد، العاصمة الاقتصادية والتجارية للهند. وكان دوره يتمثل في شراء جميع أنواع البضائع وإرسالها إلينا بعد حصوله على الإذن بالتصدير، مستخدما علاقاته وصداقاته مع أصحاب النفوذ من المسؤولين الحكوميين وكبار التجار، ثم يرسلها إلينا في صناديق معدنية مع الركاب القادمين إلى البحرين.
كانت مهمتي تبدأ عندما تصل الباخرة من مومباي إلى البحرين، تسبقها برقية من أخي أحمد مفادها: “لقد أرسلنا لكم صندوقًا أو صندوقين مع المسافر فلان الفلاني”. وبعد وصول البضاعة تبدأ مشكلتي دائما مع مفتش الجمارك في فرضة المنامة، وهو هندي اسمه “شودري” كما أتذكر، فقد كان هذا المفتش مشهورًا بالشدة وصارمًا في عمله.
بعد تسلمي الصندوق، أحمل البضاعة في “جفير” إلى سوق القيصرية بالمحرق. وكان والدي كبقية تجار اللؤلؤ المعروفين يترفع عن المتاجرة في البضائع الأخرى الصغيرة أو حتى تحصيل الإيجارات. وكنت أعرض بضاعتي على التجار هناك، وأبيع عليهم ما يطلبون بالتقسيط أو كما يسمى وقتها بـ “المسابعة”، أي أن يدفع الثمن بأقساط أسبوعية.
بعد عودتي من الهند فاجأني والدي بعقد صفقة مع تاجر هندي اسمه “رامو دارداس”، تقضي بشراء والدي محله التجاري الواقع في شارع باب البحرين بمبلغ 4 آلاف روبية، وهو مبلغ يعد كبيرا في ذلك الوقت، لكن الوالد وجد في شراء المحل - من صاحبه الذي كان يصفي تجارته لمغادرة البحرين - صفقة رابحة وانطلاقة جديدة وداعمة لتجارتنا.
وعلى رغم أن والدي هو صاحب الفكرة ومنفذ الصفقة، اعتبر شراء المحل من أجلي، وكان يقول لمن يسأله أو يبارك له بالشراء: “إن المحل للولد جاسم”، ولذلك فما إن أبرم الصفقة حتى أوكل مسؤولية إدارة المحل التجاري إلي، ومنحني الصلاحيات كاملة لإدارته.

فيمَ كانت تختص تجارتكم؟
عملنا في أمور عدة، أولها تجارة التجزئة، وبعد أن رفع اسم عبدالرحمن الزياني وأولاده على واجهة المحل التجاري الجديد، كان الوقت مناسبًا للانتقال إلى مرحلة جديدة، وكانت هذه المرحلة في تجارة السيارات.

حدثنا عن فكرة استيراد السيارات إلى البحرين؟
راودتني الفكرة عندما كنت في الهند، وبعد عودتي إلى البحرين كانت فكرة استيراد سيارات “الاوستين” مختمرة في ذهني، فاتصلت بالكاتب “مفيز”، وطلبت منه أن يكتب رسالة إلى الشركة، تضمنت الرغبة في استيراد السيارات، والحصول على وكالتها.
جاءني الجواب بالموافقة الأولية على طلبي، وإرسال القائمة الخاصة بموديلات السيارات المتوافرة لدى الشركة (الكتالوجات)، وهي 3 أحجام: “أوستين” 8 و10 و12، وما كان مني إلا أن طلبت 3 سيارات من كل حجم واحدة، وكان هذا ثاني نوع من السيارات الإنجليزية التي تصل إلى البحرين.
وبعد ذلك أثناء مطالعتي إحدى الصحف الإنجليزية، وكنت حينها ملمًّا باللغة الإنجليزية بعد دراستي في الهند، قرأت إعلانا عن سيارات الـ “لاندروفر” المعروفة بالدفع الرباعي، وطلبت من “مفيز” أن يكتب إلى الشركة، ويطلب الاستيراد والوكالة أيضًا، ووافقت الشركة على الطلب، وأرسلت إلينا سيارة واحدة منها.
عند وصول السيارة، اتصلت إلى حاكم البحرين حينها الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي أعجب بها أشد الإعجاب حتى اقتناها، وأقام مأدبة عشاء على شرفي أنا ووالدي، إذ كان مسرورا بالسيارة، وقال إنني حققت له أمنية غالية، إذ راودته فكرة امتلاك السيارة.
بعدها بدأنا استيراد الشاحنات الثقيلة، كشاحنات “الأوستين” (القلاب)، ثم حصلنا على وكالات سيارات “دزوتو” الأميركية، وهي من إنتاج شركة “كرايزلر”.
بعد ذلك، شملت تجارتنا منتجات “كرايزلر” من السيارات، ولاحقًا حصلنا على “ميتسوبيشي” تلقائيًا؛ كونها تابعة لشركة “كرايزلرز” نفسها، فقد كان هناك اتفاق على الاندماج بين الشركتين، نصّ على أن تدار “ميتسوبيشي” بواسطة “كرايزلر”، وبهذا أصبحنا وكلاء لسيارات “أوستن” و”لاندروفر” و”كرايزلر” و”ميتسوبيشي”.

وكيف استطاعت شركة الزياني التوسع في الخارج؟
بعد أن استقرت تجارتنا في البحرين خصوصا تجارة السيارات وقطع الغيار، قررنا التوسع خليجيًا بفتح فروع في دول المنطقة، وكان ذلك في العام 1960 عندما أرسلني والدي إلى قطر لتوكيل من يمثلنا هناك في تسويق سيارات “اللاندروفر” التي كانت أكثر شهرة وطلبًا، ووقعنا اتفاقا مع التاجر القطري المعروف خالد محمد المانع؛ ليكون وكيلا لنا في قطر.
ثم سافرت إلى دبي، وهناك التقيت التاجرين المعروفين صالح العصيمي وجاسم المدفع اللذين كانا شريكين في محل تجاري، ووُقع معهما اتفاق مماثل للذي وُقع في قطر؛ ليكونا وكيلين لنا في دبي.
بعدها سافرت إلى مسقط بالباخرة، وهناك التقيت مع الوجيه جعفر عبدالرحيم الدرويش ووقعنا اتفاقًا معه ليكون وكيلنا لتسويق سيارات “اللاندروفر” وماكينات الضخ (موريوس) في سلطنة عُمان.
ومن سلطنة عمان إلى السعودية وتحديدا المنطقة الشرقية، والتي افتتحنا فرعًا لبيع سيارات “لاندروفر” و”أوستين” وبضائع أخرى كثيرة منها الآلات والمكائن، وبعدها افتتحنا فرعًا في الكويت، وقررت الاستقرار هناك فترة من الزمن.


بسرعة مع الضيف

* ما مبدؤك في الحياة؟
ألا يكون أنانيا يفكر في نفسه فقط، بل يجب أن يهتم بأسرته وبنائها وتقويتها، ثم وطنه وأن يرفع اسمه ومقامه، وعند السفر للخارج يكون الإنسان خير سفير لوطنه، ويجب أن يمثله بأحسن الأخلاق والمقام، ويعطي عنه فكرة للبلدان الأخرى.

* ما الإنجاز المهم في حياتك العملية؟
بتوفيق من الله، كبرت المؤسسة مع الانفتاح الذي شهدته البحرين على الأسواق الخارجية، وتوسعنا في الأعمال. ثم توجهنا إلى البناء، كنا نستملك أراضي ونبنيها لتصبح عمارات. ثم أسسنا فنادق عدة في البحرين أولها “دلمون”، والذي تحولت ملكيته إلى أحد إخواني حاليًّا. وبعدها أسسنا فندق “المركيور” بإدارة شركة فرنسية؛ لأن الفنادق لها أسلوب خاص، ولا يمكن لتاجر عادي أن يدير فندقا خصوصا إذا كان الفندق دوليًّا، وبعده أسسنا فندق “السوفيتيل”، ولأنه فندق ضخم أدخلنا شركاء معنا.

* كيف كانت صلتك بوالدك؟
كانت قوية جدًّا، وكنت أعتبره مدرسة كبيرة. تعلمت منه الكثير. لقد كان معروفا بحسن الخلق وحب الخير للناس. تعلمت منه حب إعانة المحتاجين قدر الاستطاعة، وتقديم الأعمال الخيرية دون توقف حتى يزيدنا الله من نعمه، ونحن نسير على هذا المبدأ الذي علّمنا إياه. وعلمنا أيضًا أنما الأعمال بالنيات، وإذا كانت النية طيبة، فإن الله سيوفقه في حياته ويبارك له ذريته، وهذا هو مبدئي الذي ورثته من والدي العزيز (رحمه الله). كذلك كان يعلمنا الآداب واحترام الكبير وتقديره، ومن واجب الأب أن يربي أسرته على العادات السليمة، وأولها التربية وثم التعليم، والنشء الجديد يحتاج توجيها، والتوجيه القوي يأتي من الوالد.

* كيف تقضي أوقات فراغك؟
تنقسم أوقاتي إلى 3 مراحل. المرحلة الأولى أقضي فيها وقتي في العمل.
والمرحلة الثانية أقضي فيها الوقت مع الأسرة التي لها عليّ حق، فأنا أجمع الأسرة كلها الأبناء والبنات وأولادهم وأحفادهم يوم الجمعة من كل أسبوع. نجتمع بعد صلاة الظهر في بستاني على مأدبة الغداء معهم، ونتبادل الأحاديث والمرح معهم حتى المغرب. والمرحلة الثالثة أقضي فيها الوقت مع الرياضة، إذ أخصص لها ساعة في اليوم، فبعد العمل أمارس الرياضة لتنشيط جسمي، ولدي في جزء من بستاني أجهزة رياضية وحمام سباحة.

* هل تحب القراءة؟
نعم أحب القراءة، وأحب الشعر أيضًا، ولكني لست أديبًا، وقراءاتي كلها تتركز حول الموضوعات الاقتصادية، ويهمني تتبع تلك الأخبار سواء كانت مسموعة أو مقروءة؛ لأنها أساس الحياة. وصدر في العام الماضي كتاب عن حياتي، وتحدثت فيه عن حياة جدي ووالدي وإخواني (رحمهم الله جميعا).

وماذا عن سماع الموسيقى؟
أحب الموسيقى والفن؛ لأن الموسيقى هي غذاء الروح. أحب الاستماع إلى الأغاني الطربية الجميلة سواء الشرقية أو الغربية، خصوصا أني قضيت جزءًا كبيرًا من حياتي في الغرب.

ما أول سيارة امتلكتها؟
“أوستن” موديل 1965 تقريبًا، وهي السيارة التي استوردتها، ثم “لاند روفر”.