العدد 2786
الثلاثاء 31 مايو 2016
banner
الأنبا والعمدة والسيدة العجوز أسامة مهران
أسامة مهران
الثلاثاء 31 مايو 2016

لم يكن في مقدور أهالي قرية “الكرم” بصعيد مصر أن يمنعوا “سحل” السيدة المسنة “سعاد”، ولن يكون في استطاعة أجهزتها الأمنية ولا حتى عمدتها “غير المعمم” أن يرأبوا الصدع، أو يلموا الشمل بين عائلتين متناحرتين؛ بسبب شائعة “أخلاقية” انتشرت كالنار في الهشيم داخل القرية “المتحفظة”.
على الفضائيات حاول بعض الإعلاميين “المدفوعين” القيام بدور حمامة السلام بين الفرقاء، محافظ محافظة المنيا، حيث تقبع القرية الصغيرة، ويختفي كالعادة المحافظين والسفراء عندما “تقع الواقعة”.
الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية تتدخل بحكم أن السيدة المعتدى عليها قبطية، والمعتدون مسلمون.
الحادثة بدت كما لو أنها شرارة أولى لفتنة طائفية نائمة، الإعلاميون المكلفون بالمهمة الصعبة ينجحون أخيراً في جمع عمدة القرية مع الأنبا مكاريوس راعي الكنيسة القبطية في مركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، لكن هاتفياً وعلى الهواء مباشرة.
العمدة مستعد لغذاء مصالحة في بيته، والأنبا يرفض الدعوة، العمدة يعرض “التوبة” و”الأنبا” يتمسك بالقانون ويؤجل المصالحة.
انتهى اللقاء الفضائي ولم تنطفئ جذوة الأسى، ذهب كل مسؤول إلى مخدعه، لكن الفتنة التي لم تكن نائمة مازالت تؤرق وسائد الجميع، حتى الذين لم تكن لهم أية علاقة بجريمة الاعتداء على السيدة “العزلاء”.
السؤال ما هو الرابط المنطقي بين شائعة أو علاقة غير شرعية بهجوم بلطجية على البريئات من النساء، والمسنات من سيدات الوطن؟
العقل يقول إنه لا علاقة، والشيطان يؤكد على هذه العلاقة؟ العقل يرفض الاعتداء على كل من ليس له صلة بأية واقعة أو حادثة تقع بين طرفين.. والشيطان يحلل العدوان ويمنطقه، ويزينه للمجرمين حتى “يُقضي الأمر” وبالفعل “قُضي الأمر”.
في كلتا الحالتين لا العقل الممنطق، ولا “الخبل المشيطن”، ولا حتى الديانة المعتنقة يمكن أن تقبل برعاية التنطع والانحراف أينما كان وأينما حل، ولا يمكن لكائن من كان أن يساند فتنة تبدأ بتصرف فردي مجنون من بعض المهاويس وتنتهي بكارثة يتورط فيها الوطن.
مصر الآمنة.. ستظل آمنة، رغم أن المتربصين بها في الخارج وربما في الداخل بدأوا بعد الحادثة مباشرة في سن أسنانهم للنيل من “الوليمة الجاهزة”.
مشروع الكارثة يمكن أن يكون هو الآخر سابقاً للتجهيز، ذلك أن السجالات التأجيجية حتى في الريف العنيد نجدها وقد تفوقت على العادات التقليدية، وأن “ظل الورد الذي كان يحيا في الشفاة” قد ذبل في حقول الضغينة الخالية من الحياة.
أما “بروفا” المشروع فتنجلي في ذلك المشهد الذي أصبح وللأسف الشديد مرتعاً خصباً للمحرضين، ومسرحاً مفروشاً بالرياحين للقصص المختلقة “من كل فج عميق”.
في النهاية يظل مثلث الحميمية المسكور بين “الأنبا”، والعمدة، والسيدة المعتدى عليها بمثابة الدليل على المحاولة الفاشلة لنبذ الفرقة بين الأشقاء، لكن على ما يبدو أنه لا المثلث المكسور، أو “البرمودي” الشهير يمكن أن يعيد كل شيء إلى المربع الأول، حيث تنطلق جميع كوارث الفتنة، ولا أظن أن الدولة بشكلها الحالي العميق يمكنها تطهير النفوس من رجس الأعمال المغرضة، تماماً مثلما لا يمكنها إنقاذ الحليب المتسخ بعد أن يُلقي به طائش على الأرض.
كان الله في عون “الكرامة” التي انُتهكت بقرية الكرم، وكان الله في عون مصر التي يعاني صعيدها وريفها البعيد من إهمال مركزي للدولة الغافية، وتجاهل مبرمج لأطرافها القاصية.
فلا “الأنبا” يمكن أن ينسى، ولا العمدة يمتلك مفاتيح الحل، ولا السيدة العجوز تستطيع الدفاع عن نفسها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية