العدد 2109
الخميس 24 يوليو 2014
banner
الحركة الشعوبية من ماضيها إلى حاضرها (11) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الخميس 24 يوليو 2014

لم تدم ثقة العرب بنهج الثورة الإسلامية الإيرانية طويلا، توترت العلاقات وبدأت تسوء بتسارع، فالإيرانيون اندفعوا بنشوة الانتصار وتحدوا الآخرين بشعار تصدير الثورة إلى العراق والخليج، وتابعوا تحرشاتهم بإطلاق التصريحات اللامسؤولة ومقابلة الأيدي البيضاء الممدودة لهم بالجفاء، والإحسان بالإساءة.
العراق بارك نجاح الثورة، فتوقعنا الاعتراف بالجميل والتآزر فالثورة إسلامية، والإسلام دين العرب، لكن إيران تعجلت إثارة النعرات، ورأت طريقها إلى القدس يمر عبر العراق، وأعلنوها إذا تحرك الجيش من طهران لن يستريح إلا في بغداد، فتفجرت بين البلدين أطول حرب طاحنة في التاريخ الحديث دامت تسع سنوات، زود فيها حافظ الأسد والقذافي وإسرائيل الجيش الإيراني بالسلاح، وفضيحة “إسرائيل كيت” ليست منكرة، وتكبدت البلدان في الحرب نحو مليون ضحية، ومليون جريح ومعاق، وآلاف الأسرى سنوات طويلة، وصرفت مليارات الدولارات هباء.
استغلوا أجواء لبنان “سويسرا الشرق” بسعة الحريات الشخصية والفكرية، وعن طريق سوريا مولوا حزب الله وحركة أمل بالسلاح والأموال فخربوا لبنان ومزقوها بافتعال الأزمات مع الفلسطينيين والعرب، وأصبح حزب الله دولة داخل الدولة يفرض إرادته عسكريا وأمنيا فأشاع الفوضى في بلد كان آمنا ينعم بالاستقرار.
وبعد حرب الخليج الثانية أظهرت إيران تعاطفا مع العراق فأودع الطيارون العراقيون لديها عشرات الطائرات المقاتلة أمانة خشية تدميرها من سلاح الجو الأميركي المتفوق، وبعد انتهاء الحرب رفضت إيران إعادة الطائرات وعدتها تعويضا لها عن خسائر الحرب، فكم كان قادة الثورة الإسلامية أمناء وأوفياء؟ وتجددت أحلام الإيرانيين بابتلاع العراق ابان الغزو الأميركي فقدموا الدعم اللوجستي وأغلب المعارضة العراقية الوافدة على دبابات الاحتلال من أصول إيرانية، فدست إيران مخابراتها في مفاصل الإدارة الجديدة وشكلوا شبكات اغتيال واسعة لإثارة الفتن والانقسام، وتجلت النزعة الشعوبية بوضوح حينما صودرت هوية العراق القومية وحذفوا من الدستور “العراق جزء من الأمة العربية” وشنوا حملة سخرية من العرب بمصطلحاتهم الفجة “القومجية، والعروبجية”. ووصلت كراهيتهم إلى حد المطالبة بحذف كلمة العربي من “مستشفى الطفل العربي” وبعد رحيل الأميركان استغلوا الفراغ وتحكم الحرس الثوري الإيراني بالصغيرة والكبيرة.
وحينما هب الشعب السوري ضمن ثورات الربيع العربي دعم الإيرانيون نظام الطاغية الأسد، وأصبحت إيران طرفا يسهم في تهديم بنية الدولة السورية التحتية وقتل شعبها وتفكيك المجتمع، وحاولت إثارة الفتنة بمملكة البحرين لكن حكمة قياداتها فوتت عليهم الفرصة وقبرت أحلامهم المريضة، وساندت إيران الدكتاتور المالكي في العراق وبدأت تسيره وفق مصالحها، ويواجه اليمن محنة الحوثيين المؤدلجين إيرانيا نفسيا وفكريا وقد تتلمذ لديهم الحوثي الأب الروحي ثماني سنوات، وسار الحوثيون على خطى حزب الله في العسكرية والسيطرة على أجزاء من اليمن بالقوة وخاضوا سبع حروب مع جيش الدولة خلال عشر سنوات.
من يا ترى يزود حزب الله والحوثيين والقاعدة بالسلاح، وهل تمطر السماء سلاحا وعتادا؟ فإن لم تكن إيران فإسرائيل والمصيبة عندها أعظم. ونتساءل لولا التدخل الإيراني بالمكر والكيد والتدبير في الشؤون العربية، أكان يصل حال الأمة العربية كلها إلى الضعف والتردي الذي وصلت إليه اليوم؟
لقد مهد المالكي لإيران الزحف على الحدود العراقية، وسرقت آبار النفط، وقطع نهر الكارون، وجعلت شط العرب مكبا لنفاياتها ومياه البزل المالحة، وصدرت للعراقيين المواد الغذائية الفاسدة، والمخدرات، وعاث رجال مخابراتها في العراق فسادا، هربوا الأموال وأثاروا فتنة الحرب، فتسببت بنحو مليوني قتيل، وستة ملايين مشرد، وأربع ملايين أرملة، وخمسة ملايين يتيم، وثلثي الشعب يعيشون بمستوى خط الفقر أو دونه، وتفشت الأمية، ودب التخلف في كل ميادين الحياة ومستلزماتها العلمية والخدمية والصحية والاجتماعية ولو أردنا التحدث عما تفعل إيران في العراق مفصلا لاحتجنا إلى مجلدات.
لسنا ممن يفرق أو يحاول الإساءة إلى الشعوب، إيران شقيقة قريبة تعيش في قلوبنا ما صلح إسلامها، لكن التاريخ علمنا أنه لم تحمل امة كراهية للعرب والإسلام، ولن تحمل مثلما حملت النخبة الفارسية والصهيونية، والله المستعان على ما يصفون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .