العدد 2150
الأربعاء 03 سبتمبر 2014
banner
داعش إرهابية... والبقية؟ (2) د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأربعاء 03 سبتمبر 2014

داعش منظمة إرهابية قبل أن تطأ أقدامها الموصل، وقبل تهجير المسيحيين واليزيديين، وذبح الصحفي الأمريكي بالسكين كالخراف بعملية بشعة مقززة مازالت تحيط بها الشكوك وربما هي مشهد تمثيلي، ولكن الموت ذبحا بيد داعش لا يختلف عن الموت حرقا بصواريخ الطائرات الأمريكية من دون طيار عمداً على الشبهة أو خطئا في اليمن، ولا أقسى من الموت خنقا تحت ركام البراميل المتفجرة التي يلقيها الأسد على شعبه بسوريا، ويقذف بها المالكي على الفلوجة ومدن الأنبار، ولعل قصف الطائرات الإسرائيلية على غزة أبشع من الذبح، فلا يستثني طفلا ولا مسنا أو معوقا لا ذنب له، وهل يختلف الذبح عن طريقة إعدام رئيس دولة صباح العيد بعد إيقاظ بوش فجرا ليتمتع برؤية المشهد ويتشفى، والأبشع من كل ذلك انتهاك المليشيات لحرمات بيوت الله وقتل المصلين بالجملة في لحظات رفع أذان الجمعة، واختطاف الشباب وطلب الفدية وإعدامهم بعد دفعها، والتطهير العرقي الجاري بمدينة البصرة مدرسة النحو ورباط البصري والأشعري وعرين الجاحظ ولا بمحافظة البرتقال ديالى وتهجير أهلها بالخطف والقتل، جرائم ممنهجة أفظع وأقسى مما تقوم به داعش‏.
إن من حق أوباما أن يغضب وينتفض لذبح الصحفي الأمريكي، وليس من حقه تناسى قنص القوات الأمريكية في العراق عشرات الصحفيين بدم بارد، أم لأن القناص أمريكي محصن من جرائم القتل وليس مسلما لا يكون إرهابيا! وكأن الموت بالقتل مستويات ودرجات، وليس تعددت الأسباب والموت واحد. داعش إرهابية وسرطان كما يقول أوباما، ولكن بالتأكيد ليس لأنها هجرت المسيحيين واليزيديين وفرضت عليهم الجزية، بل إرهابية بعد أن هاتف الجنرال أبا زيد أوباما فجر إجازته ليسرع بنجدته، فخلايا داعش النائمة تتجول بشوارع أربيل وقواتها تتربص على مرمى حجر، وتهدد بضياع كل أسس البنية التحتية للشبكة الجاسوسية الصهيونية التي أعدوها طوال سنوات وصرف عليها المليارات، لتكون أربيل بديلا عن دبي، ولا خيار عن ضرب داعش وإيقاف تقدمها.
الجزية ضريبة عادية لا تختلف كثيرا عن ضريبة الفيزا والإقامة وعن الكمارك والتأمين الصحي والاستقطاعات التقاعدية يدفعها المواطن شهريا من مرتبه، وأنا ممن دفع الجزية مئة دينار بدلا نقديا عام 1970عوضا عن التحاقي بالجيش العراقي والخدمة الإلزامية ومثلي مئات الآلاف، ولم يقل أحد جزية، وقد دفعت بعض أسر المسيحيين في الموصل لداعش ثمانين دولارا عن حمايتهم وبقوا في بيوتهم آمنين ولم يتعرض لهم أحد. أما الفارون، فكانوا ممن يطمعون بالهجرة واحتضان أوروبا بذريعة تهجير داعش لهم، ولكن الإرهاب كما تؤكد الشواهد أصبح تهمة جاهزة لمن يخالف مصالح الدول العظمى، ويتحمل الإعلام العربي بمختلف مصادره وموارده وفوضويته “الخلاقة” المسؤولية، فقد اعتاد الزعيق والنهيق بما يتقيأه الغرب، فشوه الحقائق صدقا وكذبا، وكان الأولى بدلا من اتهام داعش وحماس والنصرة بأنهم صناعات أمريكية وصهيونية وإيرانية وسورية اتهام هذه الدول بصناعة الإرهاب وتمويله مباشرة.
حماس تصنف إرهابية؛ لأنها تقاوم الاحتلال الإسرائيلي، بينما حزب الله يدعي المقاومة ويعوق عمل الدولة في لبنان ويقتل السوريين بدفع من إيران وتسليح روسي ليس إرهابيا، والحوثيون بسلاحهم الثقيل يهتفون الموت لأمريكا ويقتلون اليمنيين، ويُغض النظر عنهم، والمالكي مسكوت عن جرائمه لعمالته المزدوجة لإيران وأميركا، والأسد بذراعه الإيراني وسلاحه الروسي ليس إرهابيا، بهذه السذاجة تتبعثر الأوراق، ويختلط الحابل بالنابل وتصبح المسميات والكيانات أشبه بأصنام العرب في الجاهلية تصنعها الدول العظمى من تمر الشرق الأوسط، فإذا جاعت أكلت أصنامها، وبهذه الربكة يدخلون اليأس والقنوط إلى نفوسنا وهم يصورون لنا تتشابك المداخل وتعدد المسالك وتتعقد الأمور.
إن من حقنا أن نستفهم ونتساءل بعد اعتبار داعش إرهابية، عن البقية؟ ولماذا ترك الحبل على الغارب لحزب الله والأسد والحوثيين ومليشيات المالكي. ولماذا استجابت أمريكا بسويعات لنداء الكرد وعشرات المسيحيين واليزيديين وتدخلت بطائراتها لنجدتهم ودعمت البيشمركة وتجاهلت ملايين المسلمين العرب المهجرين في سوريا وغرب العراق وشماله؟ داعش إرهابية حقا ويقينا لا ننكر ذلك، ولكنها لم تفعل ما فعلته الشبيحة بسوريا ومليشيات المالكي بالعراق بسلاح ورجال وآليات الدولة وغطاء أمريكي إيراني مشترك. فمن يستطيع القول للأسد رائحة فمك كريهة؟
وبعيدا عن داعش نذكر بثلاث شخصيات على سبيل المثال لا الحصر، غاندي إرهابي دخل السجن على يد المستعمرين وخرج حرا منتصرا، ومنديلا إرهابي سجن بالمؤبد بشريعة العنصريين وخرج زعيما ومثلا أعلى، وياسر عرفات إرهابي قاوم الاحتلال، وحاولت الصهيونية العالمية اغتياله مرات وفشلوا فدسوا له السم ومات شهيدا، وفي النهاية خرج الثلاثة من الدنيا بنعوش مرفوعة على أكتاف شعوبهم، أبطالا تركوا بصماتهم شامخين في سِجل الخلود، وسجَّل التاريخ لرئيس أعظم دولة معاصرة الرشق بالحذاء تكريما لخروجه من المسرح مكسورا ومهزوما.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية