العدد 2168
الأحد 21 سبتمبر 2014
banner
العراق وإيران.. تبعية أم علاقات سيادية؟ د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الأحد 21 سبتمبر 2014

ليس بيننا من لا يعرف أن العلاقات بين العرب والفرس على مر التاريخ لم تكن مستقرة، إنما شابتها تجاذبات شد ومد، خصوصا مع العراق الذي كان يعرف بوادي الرافدين أو بلاد ما بين النهرين، فالعراق خضع في فترات مختلفة لهيمنة الفرس تتدرج ما بين الوصاية إلى الغزو والحكم المباشر، وهناك قصر لكسرى جنوب بغداد على دجلة مازالت شواهده باقية، وبلاد فارس هي الأخرى خضعت قبل الإسلام في حقب مختلفة لحكم بابل (السومريين والأكديين)، وبعد ظهور الإسلام حكم العرب إيران مباشرة، فخراسان وما بعدها كانت ولاية تابعة للعراق في العصر الأموي، وفي العصر العباسي، وقبر هارون الرشيد أشهر الخلفاء العباسيين موجود إلى جانب قبر ابن عمه الإمام الرضا بمشهد، وخلال الخلافة العثمانية لم يتوقف الصراع والتنازع على من تكون له الغلبة، ومازلنا نتذكر أحداث الحرب العراقية الإيرانية نهاية القرن الماضي وما اتسمت به المعارك من ضراوة سقط فيها نحو مليون ضحية بين قتيل وجريح من الجانبين، مما يعكس أنها جرت بإرادة الشعوب وليس إرادة الحكام فحسب، وجراحها وآثارها لا يمكن ان تندمل بسنوات، ولاسيما أن الإمام الخميني تمنى لو أنه شرب السم لكان أهون عليه من توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار، مع أنها حرب دامية بين شعبين مسلمين.
لقد مر ربع قرن على تلك الحرب، ولولا الاحتلال الأميركي للعراق، ما كان ليكون التقارب بين البلدين بهذه السرعة والبساطة والسهولة، فكثير من القضايا المهمة ظلت عالقة ومازالت بلا حلول، ولو كانت النوايا حسنة والعلاقات حميمة صادقة وخالية من بذور الشك ومكامن الريب لما بقيت عالقة، منها مصير 111 طائرة عراقية مقاتلة أودعها العراق لدى ايران خلال الحرب الخليجية الثانية لكي لا يقصفها الطيران الأميركي وامتنعت ايران عن إعادتها، واعتبرتها بقرار ذاتي من نفسها تعويضات عن حرب الخليج الأولى، ثم سمعنا بإعادة بضع طائرات مكرمة منها بعد الثورة الشعبية ضد حكم المالكي التي سيطرت خلالها داعش على الموصل وصلاح الدين فعلى أي وجه جرى الأمر؟
لا تزال العلاقة بين العراق وإيران أكثر من غامضة ومبهمة لتضارب المواقف فهناك من يعتبر العراق دولة مستقلة، بينما الواقع يشير الى أن العراق اليوم بلد شبه محتل أو أسير، وتابع سياسيا واقتصاديا وأمنيا لإيران وأميركا وفق كل المعطيات الجارية على الأرض. وإلا كيف نفسر اعتراف كل الأطراف الكرد والعرب وأياد علاوي رئيس القائمة العراقية الفائزة بانتخابات 2010 أنه تنازل للسيد المالكي عن حقه في تشكيل الحكومة العراقية تحت الضغط الإيراني الأميركي، فتحت اي بند من بنود السيادة والاستقلال تتدخل دولة أجنبية “أميركا وإيران” بتعيين القائد العام للقوات المسلحة لبلد ثان يدعي الاستقلال والسيادة على أرضه؟ استعمار؟ وصاية؟ انتداب؟ تبعية؟
إن السياسة الإيرانية الدولية تجاه العراق، وتدخل السفير الإيراني في بغداد، وتواجد الحرس الثوري وجيش القدس الإيرانيين على الأراضي العراقية بشكل مكثف دائم على مستوى القادة والخبراء والأفراد فضلا عن تنقل العساكر والسلاح والبضائع والأموال عبر الحدود بحرية لا يوحي منطقيا بعلاقات دبلوماسية متكافئة بين بلدين جارين يتمتعان بالسيادة والاستقلال، إضافة إلى أن المرجعية الدينية للعراقيين اليوم بيد السيد السيستاني المرشد والموجه للقيادة العراقية وجمهور الناس وهو إيراني، وإيران تحاول فرض إرادتها على العراقيين بفرض وزراء في الحكومة وتريد هادي العامري رئيس مليشيات بدر التي تأسست هناك وزيرا للدفاع في الحكومة العراقية، وإن لم يكن فللداخلية، وأميركا من جهة أخرى ترفض ذلك، وأميركا تريد تشكيل تحالف دولي لمكافحة داعش وضربها في العراق وسوريا، وإيران تريد ضرب داعش في العراق فقط، وترفض ضربها في سوريا، فسوريا من وجهة نظرها دولة مستقلة، أما العراق فتبعية فارسية، فأين السيادة والاستقلال؟ وبيد من القرار؟
إيران بعد الاحتلال اغتصبت أراض عراقية حدودية وآبار نفط فيها، وشاركت العراقيين بآبار أخرى مجاورة بلا وجه حق، وتتحكم بممرات الملاحة وشط العرب وقطعت عنه نهر الكارون وجعلته مكبا لمياه البزل المالحة لتدمير المناطق العراقية المحاذية بالملوحة، وتمنع صيادي الأسماك العراقيين من الصيد في مياههم وتحتجزهم، فهل ستضع حكومة العبادي حدودا لهذه المهزلة، ليشعر العراقيون أن لهم دولة مستقلة وسيادة وإرادة حرة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .