العدد 2331
الثلاثاء 03 مارس 2015
banner
صدق أو لا تصدق.. الشهر في العراق 40 يوما! د.عمران الكبيسي
د.عمران الكبيسي
الثلاثاء 03 مارس 2015

منذ رحيل القذافي لم نسمع نكتا رئاسية طازجة كتلك التي كان يتحفنا بها المرحوم، إلا في العراق فهناك من يريد المزايدة عليه، لقد سعى القذافي لتغيير سلسلة التاريخ في قفزة مفاجئة شاذة، استبدل فيها التقويم العربي الهجري بآخر يبدأ يوم وفاة الرسول الكريم. وجاء بأشهر غريبة ودخيلة على تاريخنا ما أنزل الله بها من سلطان، استوحاها من كل عصر ومصر، فصدم العالم الإسلامي بتغيير سنة صحابة رسول الله باعتبار سنة الهجرة للمسلمين انطلاقة نصر رباني، وفيصلا بين الهداية والضلالة، انتقلت فيها دعوة التوحيد من مرحلة الاضطهاد إلى مرحلة المجاهدة! والتحول من حالة الحصار والتخفي والتكتم إلى حالة الجهر، واصدع بما تؤمر.. فهل أراد القذافي قلب المفاهيم وجعل المسلمين يحتفلون برأس السنة بوفاة الرسول الأكرم بدلا من الاحتفال بيوم هجرته؟ ولا غرابة إذا عرفنا أنه لقب نفسه بـ “رسول الصحراء، ونبي الجماهير، ومسيح العصر، وإمام المسلمين”.
العجيب أن حكومة العبادي التي كنا نتوسم بها الخير ونبني عليها آمالا عريضة، “صامت ثم أفطرت على بصلة” ففي عصر السرعة الذي مهد لاختزال ما كان يمكن فعله في شهر صار يؤتي أكله بساعات بفضل التكنولوجيا الحديثة والاتصالات والمواصلات الفائقة السرعة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، طلعت علينا الحكومة العراقية بـ “فرمان شاهنشاهي” فريد من نوعه، كوميديا سوداء نكتة وما هي بنكتة، جعلت فيه الشهر أربعين يوما بالكمال والتمام، “قسما عظما واقع صحيح لا علاقة له بكذبة نيسان” باعتبار العراق في طريق العودة إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كان الإنسان يعمر ألف سنة في العصور الحجرية كما تروي الأساطير.
صحيح مكتب رئيس الوزراء نفى وضع الصيغة قيد التطبيق، ولكنها إحدى الصيغ المقترحة لمواجهة الأزمة المالية، وتراجع الحكومة جاء بعد أن جوبهت بردود فعل شعبية عارمة، كانوا يريدون جعل العام 485 يوما وليس 365 يوما، نظرة مادية مجردة لا تراعي قيم العقود الشرعية، والأعراف ولا حركة التاريخ، وتدخلنا في دوامة مضاربات وصراعات، تأثيرها اجتماعي وحضاري أسوأ من تجاوز الأزمة الاقتصادية، وإن طرح المقترح نذير شؤم لمخالفته الفطرة التي جبل عليها بنو البشر على الأرض من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي، ومنذ بدء الخليقة حتى يومنا. ولا نريد الخوض في الإشكالات التي سيجرها هذا الإجراء على العراقيين لا سمح الله لو طبق فعلا، وهم في غنى عنه يكفي عليهم عناء التهجير والصراعات الطائفية والعنصرية التي جلبت لهم الويلات والمآسي.
وما لم يكن في الحسبان ولم يتخيله أحد أن العراقيين الذين قاموا سنوات الحصار العجاف وحظر كل صادرة وواردة لم يتخذوا مثل هذا الإجراء، فمن كان يصدق أنهم بعد فك الحصار والسماح بتصدير النفط بلا قيود ومن غير عدادات تعد وتحسب، ومر ما يربو على عشر سنوات مما يدعوه أزلام إيران وأميركا معا التحرر، صدر فيها العراق وباع من النفط بأسعار خيالية ما يوازي كل ما باعه العراق من يوم اكتشاف النفط حتى يوم الاحتلال الأسود. والسؤال أين ذهبت أموال العراق والأموال التي تدعي أميركا وحلفاؤها أنهم صرفوها على العراق، وأين المشاريع العملاقة التي يمكن القول إنها استنزفت ثروات العراق وميزانيته الضخمة؟ عشر سنوات لم نسمع ولم نر غير الوعود يضحكون بها على ذقون الشعب العراقي المغلوب على أمره، أموال العراقيين سطت عليها القيادات العميلة الفاسدة، وشطر منها عبر الحدود نحو إيران لإنقاذها من الإفلاس ولتتآمر على العرب، وما تبقى أجهزت عليه داعش ليعيش شعبنا بين إرهابين، إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية وإرهاب متطرفي الحشد الشعبي والمليشيات السائبة، فمن ينقذ الشعب المشرد الذي بات لا يجد لقمة خبز تسد الرمق، ولا بساطا يحميه من رطوبة الأرض وملح التراب، ولا سقفا يقيه من لفحة الشمس صيفا وزمهرير الشتاء.
تمضي الأيام وتمر الأشهر، وسيمر المزيد منها والسيد العبادي “البطة الضاحكة” لم يحاسب سارقا، ولم يحقق مع مارق كما وعد وتعهد، والسيد المالكي الذي خرب العراق وسرق أمواله، وهو المسؤول عما حاق بالعراق من خراب ودمار، وضياع الثروات، لم يزل حرا طليقا لم يسأل عما ارتكب بحق شعبه ووطنه ولمصلحة من؟ ولا أين ذهبت أموال خزائنه؟ لقد صرفت في الفتنة وعلى السلاح ليقتل الأخ أخاه والشريك شريكه في الوطن، سواء في لبنان أو سوريا، وتدمير العراق واليمن، وللتآمر على دول الخليج الحزام العربي الواقي لأمته وحامية العرب الشرقية، حسبنا الله في الغزاة البغاة، والعصبة التي حكمت العراق بتفويض منهم، ومازالت تحكم بالحيلة والقهر وإن تغيرت الوجوه “فالطينة من الطينة والكعكة من العجينة”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية