العدد 2018
الخميس 24 أبريل 2014
banner
لو.. عندما تفتح عمل الإنسان غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 24 أبريل 2014

تمر الأيام تلو الأيام ولا يلوح أمام الناظرين أي قماشٌ يبشّر بأن هناك حلا للمشكلة البحرينية التي بدأ الأمد يتطاول عليها، وتنكفئ لتصبح واقعأً علينا أن نعيشه في ظل التوترات التي تطفو وتغرق بين الفينة والأخرى.
اختفى الحل السياسي أو توارى عن الأنظار على الأقل، وحلت التفجيرات محله بما يعقّد المشهد، وكما هو الحال، الجميع يتبرّأ من تحمّل مسؤوليتها، لأن في تحمل المسؤولية إثم عظيم، وكبيرة من الكبائر إذ راحت ضحيتها أرواح ما كان يجب أن يُخدش أصحابها مجرد خدش لو أن عجلات الحلول السياسية كانت تدور بالشكل الذي يضمن سلامة الوطن بكلّه وبكل أهله، ولو أن المتحاورين وضعوا البحرين نصب أعينهم، هذا الكيان الذي له أنصبة قليلة من المساحات والموارد، وله حظوظ عظيمة من اكتظاظ التاريخ، وتزاحم الأفكار، واحتكاك المكونّات، واحتقانات ولّدتها حوادث متفرقة، والكثير من الخيبات، ومراحل تباينت الحالات فيها بين القرب والبعد بين هذه المكونات، فلو وضع المتحاورون كل هذا نصب أعينهم ألم يكن حالنا اليوم أفضل، واستطعنا تجاوز هذا التوتر الذي يرخي سدوله داخل البلاد وخارجها، ويضفي على الوضع أبعاداً قاتمة لا تأتي بخير لأحد على الإطلاق؟
لو أن الحل السياسي كان يسير، ولو ببطء، لكان أفضل من حال الجمود الذي لا يؤدي إلى نتيجة، ولا يفصح عن مستقبل، ولا ينبئ عن ضوء في نهاية الأنفاق المسدودة حتى الآن.
 ولو كان الوضع يراوح محلّه لاعتبرناه نوعاً من الرياضة على أقل التقديرات، ولكن الاستقرار ليس جيداً في كل الأحوال، لأنه يعني الموات في بعض حالاته، لأن الكائن الحي، والإنسان على قمة مملكة الأحياء، إن استقر فهذا يعني فناءه، وانتهاء تاريخه الذي بناه طوال امتداد أسلافه الضاربين بجذورهم في أكباد الزمان، فلا فخر في الاستقرار، ولا عُجب في العجلة المفرطة، ولكننا نفتقد حتى الاستقرار، على سوئه، نتيجة حوادث التفجيرات التي تميع لحرارتها العقول، ولا نحن الذين سارعنا إلى التداعي من جديد إلى طاولة الحوار حتى نضع حلولاً نهائية نتوافق عليها على الرغم من الآلام التي تصحب التنازلات الآتية من الأطراف المتحاورة، فلا أحد يمكنه أن يكسب كل شيء، ومن يعطي كل شيء سيأتي اليوم الذي ينقلب فيه على عقبيه وينكر تلك اللحظة التاريخية سعياً في استعادة ما فرّط به في لحظة ذهول، ويكون هذا المسعى مدمّراً أحياناً لأن صاحبه يشعر بمرارة الضعف وقلة الحيل حينما سلّم جميع مطالبه عن يدٍ وهو صاغر، وها هو ذا التاريخ الذي لو نظرنا فيه لرأينا كمّ من الحوادث المشابهة التي مرّت، وكم كانت المرارة عظيمة لحظة الانتشاء بالنصر وفرض الشروط على الخاسر. وفي حالتنا البحرينية سنكون جميعاً من الخاسرين بعد أن ينتهي فاصل العرض المسرحي المتسّم بالاستعراضية والتباهي بالمنعة الذي يقدّمه المتنطّعون بالقوة وبامتلاك مفاتيح الحل التي إن شاؤوا أداروها، وإن شاؤوا تركوها في أكنّتها. ذلك أنه لا يوجد بين الأطراف رابح ربحاّ بيّناً، ولا خاسر خسراناً مبيناً، وهذا أسوأ ما في الأمور، إذ إن الوهم بالقوة سيظل قائماً لدى كل طرف، وينظر إلى الطرف الآخر على أنه الخاسر، ولا خاسر إلا نحن.  إنها القصة نفسها التي تدور أحداثها في مسارين متوازيين لمتخذي القرار ووقود المفاوضات وهم الناس، وبين المسار الأول والثاني بون شاسع في المواقف والطموحات وما ينتظرونه من مكاسب. كان الحوار سيفتح أبواباً جديدة على الاستحقاق الانتخابي المقبل لو أنه استمر على وتيرة أفضل فكرياً مما كان عليه، ولعلم كل أناسٍ مشربهم من الآتي في نهايات هذا العام، إذ إن هذا الفصل التشريعي هو الأطول في تاريخ البحرين منذ العودة إلى الحياة النيابية. فالتكهنات التي طرحت قبل أشهر من عودة جميع القوى إلى السباق الانتخابي لتنتظم الصفوف مجدداً فيه، تبدو اليوم أبعد ما تكون عن التحقق، ولربما تعلم الأطراف هذه الحقيقة فتستخدمها ورقة ضغط متبادل ومساومة، ولكن الخطوة الأولى دائماً هي الأصعب، والتي تعزّ على اللاعبين الأساسيين أن يخطوها، لأنها تعني في أعراف المفاوضات تلهّفاً، ولا يُمتهن الإنسان إلا إنْ تلهّف، فكيف به إن كان خصماً مفاوضاً؟!
أربعة أعوام شهدت فيها المملكة ما يكفي ويزيد من الأحداث التي تنوء اليوم بحملها، والتي أثرت وتؤثر ولا تزال على صورتها، ولا يمكن الإشاحة بسهولة عن هذا التأثير البالغ السوء على جميع مناحي الحياة، وهي التي في عرض أية فرصة سانحة لتضيفها إلى مواردها وإمكانياتها المعروفة أبعادها، حتى تمضي في سعيها نحو تحقيق يتعاون في حمله الجميع كلٌّ يمسكه من طرف لئلا يقع، فعلى قدر محبة هذا الوطن تأتي قوة تمسّك أفراده بالجزء الذي عليهم أن يحافظوا عليه حتى لا يقع... ولكن كيف يكون هذا والأحلام شتى، وتفاسيرها لا تستقيم ولا تنتظم معاً في وارد واحد، فصارت الجماعات أكبر من الوطن وأسبق منه، والوطن استحال إلى أوطان لكلٍّ مفهومه الخاص عنه، ورؤيته الفردية له، وربما الأسوأ هم من لا رأي لهم، يسمّيهم البعض “الأغلبية الصامتة”، وهي السلبية المطلقة، فالصمت بليغ إلا في الحالات التي يتعرض فيها وجود الوطن إلى التصدّع والتشظي.
 فلو تخرج عن صمتها هذه الأغلبية التي يتمسّح بها الجميع، ويتحدث باسمها عن صمتها، لعدّلت - ولا شك - اتجاهات البوصلة، ووضعت الأطراف عند مسؤوليتها التاريخية من دونما مراهنات على عامل الوقت الذي يبدد في مهاترات مستترة تخرج من بين الأسنان. لقد تكاثرت الأدوية ووصفات العلاج لجراحات وطننا الحالية، وأمراضه المزمنة، وللدواء - كغالبية الأدوية - آثار جانبية علينا تحمّلها لأن الهدف أعزّ وأسمى من بعض الآلام، لو أننا أحسنّا إدارة خلافاتنا وهي في مهدها قبل أن تتعقد ويصبح حلها يحتاج إلى حل. لو...
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .