العدد 2168
الأحد 21 سبتمبر 2014
banner
واشنطن بين إرهابين... داعش والقاعدة
ستة على ستة
الأحد 21 سبتمبر 2014

لا يملك المرء المتابع لهذه الهمة الأميركية والنشاط المحموم لتشكيل تحالف دولي بمشاركة عربية أميركية لمواجهة تنظيم “داعش”، إلا أن يتساءل عن الأسباب الحقيقية الدافعة لهذا السلوك الأميركي والمحركة له، خصوصا أننا لم نعهد حسًا أميركيًا مرهفًا أو التزامًا بالقيم الإنسانية والقواعد القانونية في السياسات الأميركية السابقة، فهل ما يحدث يعبر عن صحوة مفاجئة أم استمرار لذات السياسات القائمة على المصلحة ولا شيء سواها؟
النظرة السطحية للأمور قد تجعلنا نهلل لهذه الجهود الأميركية، إلا أن الرؤية المتعمقة والتحليل الموضوعي يؤكد وجود نواقص عدة وثغرات كثيرة تجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل نجاح هذه الجهود، خصوصا أن واشنطن مازالت تحكمها النظرة الضيقة والقاصرة للإرهاب في المنطقة، فهي تهدف فقط لمواجهة تنظيم الخلافة الإسلامية “داعش” من خلال ضربات جوية، كما أن تحركها يؤكد ازدواجيتها وتناقضها في التعامل مع ذات الملف وهو ملف الإرهاب.
فرغم طول المدة وجسامة الخسائر التي خلفتها الممارسات البشعة والانتهاكات الفظيعة لتنظيم داعش سواء في سوريا أو في العراق في ظل تهاون أميركي ملحوظ أدى لتمدد هذا التنظيم وتعاظم خطورته، إلا أن ردة الفعل الأميركية جاءت متأخرة، حيث دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرًا فقط إلى تشكيل تحالف ضد الإرهاب لمواجهة هذا الزحف الخطير لـ “داعش” ومنع تمدده والحيلولة دون اكتسابه أراض جديدة لممارساته الإرهابية.
يضاف إلى هذا التأخر في التحرك الأميركي أنه جاء أيضًا غامضًا وغير محدد المعالم باعتراف الرئيس أوباما نفسه الذي قال إن “كسر شوكة الدولة الإسلامية (داعش) يتطلّب استراتيجية اقليمية بالتعاون مع السنّة في العراق وسوريا”.
هكذا دون تحديد لهذه الاستراتيجية أو وجود لخطة معينة وإطار واضح لهذا التحالف وأطرافه ودوله، ما يؤكد أن واشنطن لم تتحرك إلا حينما شعرت بضغوط أخلاقية على الأقل، فضلاً عن أنها تحركت دون استراتيجية أو رؤية واضحة.
وبالمقارنة مع ما حدث في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001 التي تعرضت لها الأراضي الأميركية، فإن ردة الفعل الأميركية كانت سريعة وقوية بل ومتطرفة، إذ دعا الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش حلفاء الولايات المتحدة إلى دعم أقوالهم بأفعال والمساهمة العملية في الحرب ضد الإرهاب، وقال بوش: “إن الدول التي ليست “مع” الولايات المتحدة فهي “ضدها”. وأن أي شريك في التحالف الدولي يجب أن لا يعبر عن تعاطفه فحسب بل يجب عليه أن يشارك بعمل”.
لقد نجحت واشنطن في استثمار أحداث 11 سبتمبر لتكون هي المتحدث الرسمي والصوت الوحيد المعبر عن قواعد ومبادئ التعايش في المجتمع الدولي وهي التي تقرر من الذي يخرج عن هذه القواعد وكيف يمكن مواجهته ومن الذي يستخدم في المواجهة ومتى تنتهي المواجهة وتبدأ غيرها من المواجهات.
وكانت النتيجة أن وضعت قدرات وإمكانيات مختلف دول العالم تحت تصرف واشنطن سواء طوعًا أو كرهًا بهدف عدم تحمل أميركا أية تبعات بشرية أو مادية غير مقبولة.
لقد كان الهدف على ما يبدو هو نشر الفوضى في العالم وإحلال حالة من الضعف العام بما يمنع من تكرار هجمات 1 سبتمبر سواء من قبل تنظيم القاعدة أو غيرها من الجماعات الإرهابية، وهو ما تحقق لأميركا بالفعل حيث كانت ولا تزال من أقل دول العالم تعرضًا لهجمات إرهابية ولم تتعرض لهجمات مماثلة لهجمات 11 سبتمبر، وخلقت تنظيمات متطرفة كثيرة في مختلف بقاع العالم كان من بينها “داعش” في منطقة الشرق الأوسط لكي تتكفل هذه التنظيمات بالمهمة الأميركية في إدامة حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتعميق حالة عدم التوازن بين الدول العربية وإسرائيل.
تغيرت الاستراتيجية الأميركية من التدخل المباشر والصريح والتورط في الحروب والنزاعات لضمان المصالح الأميركية إلى الحروب بالوكالة واستخدام الدبلوماسية الناعمة للحفاظ على هذه المصالح، وهو ما يضع شكوكا كثيرة في جدية النوايا الأميركية في محاربة الإرهاب بهذه المرحلة “الداعشية” ويجعلها مجرد مساع وهمية وتحركات استعراضية لتفادي أية أعباء أخلاقية أو ضغوط معنوية من المنظومة الدولية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .