العدد 2198
الثلاثاء 21 أكتوبر 2014
banner
إسرائيليون يفرون إلى المحرقة
ستة على ستة
الثلاثاء 21 أكتوبر 2014

انتشرت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة جديرة بالنظر والاهتمام والتركيز في إطار الصراع الدائر مع العدو الإسرائيلي ـ إن كان لا يزال عدوًا لنا ـ حيث إنها ربما تقدم حلاً تلقائيًا لهذا الصراع دون تدخل من جانب العرب، إضافة إلى أنها تظهر صورة هذا المجتمع بعيدًا عن زيف الإعلام وادعاءات الساسة وأكاذيب القادة، كما تؤكد أن نسبة من المجتمع الإسرائيلي لا يطيقون العيش في هذا المجتمع “الديمقراطي” الذي ينعم بالعدالة والرخاء والاستقرار ويفضلون العيش في أي مكان آخر حتى لو كان ذلك المكان هو موطن “المحرقة النازية” أو ما يطلق عليها “الهولوكوست”.
فلماذا يفر هؤلاء من هذه المدينة “الفاضلة” والمجتمع “الطاهر” ويتركون أرض الميعاد “فلسطين” إلى البلد الذي يقولون إن آباءهم وأجدادهم تعرضوا فيه لحملات إبادة جماعية على يد السلطات الألمانية أثناء هيمنة الحزب النازي بقيادة أدولف هتلر؟
الأعداد التي تهاجر ليست قليلة، بل إنها مفزعة للدولة الإسرائيلية، حيث تشير الدراسات والإحصائيات الرسمية إلى أنه منذ 1990، فإن الهجرة في إسرائيل سلبية، وفي السنوات الأربع الأخيرة يغادر 26 ألف إسرائيلي كل عام، ومعظم المغادرين (نحو ستمئة ألف مهاجر) من الشباب والأكاديميين ممن يبحثون عن فرص للتعلم والعمل خصوصا بألمانيا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، وأنه منذ انهيار سور برلين عام 1989 باتت ألمانيا هي الوجهة الأولى ليهود شرق أوروبا الذين يفضّلونها عن الهجرة إلى إسرائيل.
كما تشير التقارير إلى أن الجالية اليهودية في ألمانيا تعد من أكثر الجاليات اليهودية نمواً في العالم‏، حيث هاجر ‏200‏ ألف يهودي تقريباً من دول الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى ألمانيا، ووجدوا لهم موطناً جديداً وغنياً يمد لهم يد العون والرعاية ويتبنى تكاليف اندماجهم الباهظة في المجتمع الألماني، والتي تزيد عن ‏1.8‏ مليار يورو سنوياً، كما تقدم الحكومة الألمانية الدعم للراغبين في شراء شقق وللطلاب الذين يتجهون للتعليم الجامعي.
ووفقا للسفارة الإسرائيلية في ألمانيا يوجد الآن نحو ‏13‏ ألف إسرائيلي يعيشون في مدينة برلين وحدها‏،‏ وتشير بيانات مكتب الإحصاء الإقليمي الخاص ببرلين إلى أن عدد السياح الإسرائيليين الذين يزورون العاصمة الألمانية تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ عام 2000، وبلغ رقمًا قياسيا في عام 2013 وهو 47321 زائرا.
ونشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في السابع عشر من أكتوبر الجاري تقريرا عن هجرة الشباب من إسرائيل باتجاه ألمانيا، ورغبتهم بالاستقرار في البلد الذي ولدت فيه “النازية”، مشيرة إلى أن شبابا إسرائيليين هاجروا إلى ألمانيا واستقروا هناك، أصبحوا يحفزون غيرهم من الإسرائيليين على الهجرة إلى برلين، لأن الحياة فيها أرغد وأسهل.
وفي السياق ذاته، كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في 14 أكتوبر الجاري، أن حوالي 16 ألف إسرائيلي يهاجرون من إسرائيل سنويا إلى دول غربية، مشيرة إلى أن معظم المهاجرين هم شباب أكاديميون يملكون مؤهلات عالية، ما يسمح لهم بالعمل وكسب الرزق في الخارج.
أما عن الأسباب، فهي متعددة ومتنوعة، أهمها الأسباب والعوامل الاقتصادية في ظل الغلاء الفاحش في إسرائيل، والحالة المعيشية الصعبة التي كان يعيشها هؤلاء المهاجرون الذين وجدوا ضالتهم في برلين اليوم، إذ يعملون بمختلف قطاعات الخدمات والأعمال الحرة، فضلاً عن الانخفاض النسبي للأسعار، علاوة على سهولة حصولهم على تصاريح الإقامة فيها.
وأشار أحد البرامج بالتلفزيون الإسرائيلي إلى أن الصهيونية باتت عبئا على الإسرائيليين وعقابا جماعيا لهم، وأن الهجرة الاقتصادية وليدة عدة عوامل من النوع الذي يدفع الأشخاص لإحراق أنفسهم، وقال معد البرنامج متان حودروف في مقابلة مع قناة الجزيرة: “إن الهجرة تنتج من حالة حصار خانقة يستنتج فيها الإسرائيلي بأنه من الصعب الحصول على تعليم عال وعلى شقة وأن تربية أطفاله هنا مكلفة جدا. وأن هذه العائلات توصلت لاستنتاج بأنها لا تملك مستقبلا لها ولأبنائها في إسرائيل “فألقتها بسلة المهملات وسافرت هربا من حياة الفقر والذل التي تلازم أوساطا واسعة خصوصا المسنون”.
واتفق عضو الكنيست عن “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” دوف حنين، مع حودروف، مؤكدًا أن إسرائيل باتت دولة رفاه على الورق فقط، لأنها تكرّس مواردها للأمن وللجيش والتوسع الاستيطاني على حساب التعليم والخدمات الاجتماعية والصحية.
أما السبب الآخر المهم في هذه الهجرة فهو عدم الرغبة في العيش في دولة محتلة وعنصرية، وعدم الشعور بالأمن في تلك الدولة الإسرائيلية التي يتوقع البعض زوالها في غضون عشرين عامًا مقبلة.
يضاف إلى هؤلاء الذين هاجروا بالفعل خارج إسرائيل، أن 56 % من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة من إسرائيل بفعل الأوضاع الاقتصادية وأنهم لا يرون في مغادرة إسرائيل تناقضاً مع القيم الصهيونية.
الظاهرة التي نتحدث عنها ليست هينة أو عابرة، بل ربما تكون هي الحاسمة للصراع العربي الإسرائيلي، لأنها قد تؤدي لتآكل وتناقص الإسرائيليين في مواجهة الفلسطينيين بالداخل الإسرائيلي، كما قد تؤدي إلى إفراغ اسرائيل من “الأدمغة” المفكرة في المجالات المختلفة”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .