العدد 2203
الأحد 26 أكتوبر 2014
banner
النفط والسياسة
ستة على ستة
الأحد 26 أكتوبر 2014

ستظل حرب أكتوبر المجيدة في عام 1973م من الأحداث الخالدة الشاهدة على الدور الحيوي الذي يقوم به النفط في السياسة، حيث أجادت الدول العربية اللعب بهذه الورقة التي كانت عنصرًا لا يقل أهمية عن الجندي المصري الذي شارك في هذه المعركة الفارقة ضد العدو الصهيوني.
لقد كانت صورة “مثالية” للتضامن العربي والنجاح في استثمار جميع الإمكانات المتاحة ودليلاً واضحًا على إمكانية توحد إرادة العرب واجتماعها على كلمة واحدة، فقد استخدموا سلاح البترول في حرب أكتوبر، واتفقوا على وقف ضخه إلى الدول التي تساند أو تدعم إسرائيل، فقفز سعر البترول آنذاك من 2 دولار إلى 21 دولاراً للبرميل الواحد.
وشهدت الأشهر الأخيرة انخفاضًا في سعر النفط عالميا بنسبة 20 بالمئة بسبب المخاوف بشأن النمو الاقتصادي في أوروبا وفي بعض الدول الناشئة، إضافة إلى عرض مفاجئ في أسواق النفط خصوصا مع الحديث عن ثورة النفط الصخري في أميركا وفقًا للمراقبين.
ونشرت صحيفة الفايننشال تايمز مؤخرًا مقالا تحلل فيه انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، مشيرة إلى أن السعودية اتخذت موقفا محسوبا بدقة، رغم ما فيه من المجازفة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى نحو 80 دولارا للبرميل.
ونقلت الصحيفة عن ديبورا غوردن، مديرة الطاقة والبيئة في برنامج كارنيجي، قولها إن دعم السعودية لانخفاض أسعار النفط، يسبب المشاكل لكل من روسيا وإيران، حيث إن أسعار النفط المنخفضة تؤثر سلبا على اقتصاد روسيا الذي يتعرض لعقوبات أميركية وأوروبية، بسبب موقف موسكو من الأزمة في أوكرانيا. كما ستتأثر إيران أيضا من انخفاض أسعار النفط، مما قد يجعل طهران تتنازل في محادثاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي.
ويبدو أن هناك عوامل عدة قد تساعد على نجاح السياسة السعودية في الوصول إلى مقاصدها في تلك الفترة، وأهمها: توافر احتياطي ضخم من العملة الصعبة للرياض يمكن أن يسد أي عجز في الميزانية، واستفادة الدول الأوروبية والصين من هذا الانخفاض الحاصل في الأسعار كونهم من مستوردي النفط السعودي، والتأثيرات الإيجابية لمثل هذا القرار على المستهلك الأميركي لأنه سيؤدي إلى خفض للضرائب.
يبدو أن السعودية التي وجدت ان الطرق الدبلوماسية والمحاولات التفاوضية مع الدولتين الروسية والإيرانية قد فشلت في إحداث أي تغيير ايجابي في سياسات هاتين الدولتين، فلجأت السعودية لخيار آخر وسلاح قد يكون مؤثرًا في التوصل لحلول لأزمات مستعصية كالوضع في سوريا ومشكلات معقدة كالبرنامج النووي الإيراني.
ففي منتصف الشهر الجاري، نشر مركز أبحاث البنك الألماني دراسة تهتم بتبعات انخفاض أسعار البترول بالنسبة للدول المنتجة، مشيرة إلى أن روسيا تغطي ميزانيتها بـ 45 في المئة من مداخيل المتاجرة بالنفط وأنها بحاجة إلى 100 دولار للبرميل الواحد، لموازنة ميزانيتها، وهو ما يعني أن السعر الحالي (85 دولارا للبرميل الواحد) سيؤثر سلبًا على الميزانية الروسية خصوصا في ظل المشاكل الداخلية التي تواجهها الدولة الروسية وتضع قيودا على توفير موارد بديلة وكذلك في ظل الخلافات بين روسيا والدول الأوروبية والعقوبات المفروضة على موسكو ما يزيد من صعوبة الأزمة في روسيا.
وهناك مخاوف روسية كبيرة من تكرار ما حدث في ثمانينات القرن الماضي، عندما انخفض سعر النفط بشكل كبير، وهو الأمر الذي لعب دورًا في إفلاس وانهيار الاتحاد السوفيتي.
أما بخصوص إيران، فوفقًا للخبراء فإنها بحاجة شديدة إلى عائدات النفط في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها والتي تفقدها نصف عائداتها من النفط منذ 2011 ولتغطية ميزانيتها فهي بحاجة لبيع البرميل الواحد بـ 125 دولارا.
الخلاصة أننا قد نشهد انفراجة في أزمات المنطقة ومشكلاتها وقد تطرح مبادرات من هنا أو هناك وتجد قبولاً من مختلف الأطراف التي تظل حتى الساعة متناقضة في مساعيها وأهدافها، فالنفط قد يقرب المواقف ويفرض المرونة ويدفع باتجاه الحلول لا باتجاه تصعيد الأزمات.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية