العدد 2231
الأحد 23 نوفمبر 2014
banner
الحرب المقدسة
ستة على ستة
الأحد 23 نوفمبر 2014

في شهر يوليو الفائت، شن العدو الإسرائيلي هجومًا وحشيًا على قطاع غزة استمر 51 يوماً، وأسفر عن مقتل 2190 فلسطينياً وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير تسعة آلاف منزل بشكل كامل، وثمانية آلاف منزل بشكل جزئي، ولم يتحرك العالم الغربي جديًا لوقف هذا العدوان مكتفيًا بترديد كلام مطاط وعبارات فضفاضة عن عرقلة السلام الذي لا نراه ويبدو أننا لن نراه في المستقبل القريب.
بل إننا وجدنا من يبرر ويشرع لهذا العدوان الصهيوني الهمجي على الشعب الفلسطيني بحجة الدفاع عن النفس وكأن المعني والمقصود بالنفس هي النفس الإسرائيلية دون سواها من الأنفس البشرية.
وفي الثامن عشر من شهر نوفمبر الجاري، قتل خمسة إسرائيليين وأصيب ستة آخرون في هجوم «استشهادي» نفذه فلسطينيان على كنيس يهودي بالقدس الغربية.
هنا قامت قيامة العالم الغربي بقادته وصحافته للتعبير عن (بشاعة مثل هذا العمل الإرهابي الوحشي الذي أوقع هذا العدد «الكبير» من «الضحايا» الإسرائيليين) في استهانة بالغة بالإنسان الفلسطيني والعربي بصفة عامة وتضخيم بالغ للذات الإسرائيلية ودفاع «فاجر» عن الإرهاب الإسرائيلي ورفض «شاذ» لحق الفلسطيني في الدفاع عن النفس، وتجاهل معتاد للرد الإسرائيلي القاسي والإجرامي على تلك العملية.
لم يبد الغرب بالا بتلك الإجراءات القاسية ولم يهتم بمعاناة الفلسطينيين المستمرة جراء الانتهاكات الإسرائيلية الوحشية والجرائم التي يرتكبها الاحتلال الغاشم في الأماكن المقدسة لتغيير هويتها وإحكام قبضته عليها.
لم ير الغرب سوى موت خمسة إسرائيليين، فنددت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا بالهجوم الذي استهدف كنيسة في القدس المحتلة مخلفا خمسة قتلى وثمانية جرحى، وسط مطالب ببذل أقصى الجهود من أجل تهدئة الأوضاع. ووصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري الهجوم بأنه «هجوم وحشي غير مبرر، وأن مهاجمة مصلين في معبد عمل إرهابي محض».
من جانبه، ندد الاتحاد الأوروبي بالهجوم الذي وصفه بـ «العمل الإرهابي»، وقال بيان صادر عن وزيرة خارجية الاتحاد، فيدريكا موغريني، إن «مهاجمة مصلين في الكنيس عمل مدان بجميع المقاييس».
كما أدان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الهجوم، ووصفه بـ «الاعتداء البغيض»، وأعرب عن قلقه البالغ إزاء «سلسلة أعمال العنف في القدس وإسرائيل والضفة الغربية». كما ندد المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري بالعملية معتبرا أنها «غير مبررة»، مؤكدا أن الأمم المتحدة تدعو جميع الأطراف لبذل أقصى الجهود من أجل منع تصعيد الوضع نحو المزيد من التوتر.
على الصعيد الصحافي، استيقظت الصحف الأوروبية من غفلتها لأن القتلى هذه المرة من الجانب الإسرائيلي فبدأت في التحذير من خطورة الأمر وإمكانية تحوله لحرب دينية مقدسة طويلة الأمد مع صعوبة السيطرة عليها، فقد طالبت صحيفة غادريان بألا تؤدي هذه العملية رغم بشاعتها إلى حرب مقدسة، داعية رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحول دون وصول الأمر إلى حرب بين المسلمين واليهود، لأن الصراعات الدينية لا يمكن حلها أبداً، مشيرة إلى الخوف من تحول الصراع الدموي الإقليمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى معركة بين المسلمين واليهود، تصبح فيها القدس خط المواجهة، ويتحول الأمر إلى حرب شوارع واشتباكات بالأيدي إذا ما تكررت الحادثة.
من جانبها، أدانت افتتاحية إندبندنت الهجوم ووصفته بالإرهابي وأنه هوى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى أعماق جديدة من اليأس، واعتبرته دورة جديدة من العنف بدأت تتشكل ولا احتمال لنهايتها في المستقبل المنظور.
وقالت صحيفة ديلي تلغراف إن أعمال العنف الأخيرة في القدس تظهر كيف غيّر «أعداء» إسرائيل تكتيكاتهم، فبعد أن كانت التفجيرات الانتحارية الأسلوب المفضل للتدمير يقوم المهاجمون الآن بهجمات انتهازية لا تحتاج إلى المتفجرات أو التدريب أو المواد غير القانونية من أي نوع، والهجمات من هذا النوع يسهل تنفيذها كما يستحيل منعها. وطالبت صحيفة واشنطن بوست الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بتهدئة الوضع لتفادي اندلاع انتفاضة أخرى، وقالت إن الطرفين يعلمان ما يجب أن ينفذاه من أجل التهدئة، مشيرة إلى إمكانية تفاقم أعمال العنف مع وجود فلسطينيين لا ينتمون لأي تنظيم يقومون بهذه الأعمال لدوافع دينية.
وحذرت الصحيفة من تجاوز الصراع بين الجانبين لحدوده التقليدية التي كانت تقتصر على النزاعات الوطنية حول الأرض، ليتحوّل إلى صراع ديني بين المسلمين واليهود.
ووصفت نيويورك تايمز الهجوم بأنه جزء من موجة جديدة من العنف يدفعها صراع على مواقع دينية مقدسة.
من جانبها، تذكرت الصحف الألمانية ضعف الدور الأوروبي لإحياء عملية السلام، حيث أكدت صحيفة «دي فيلت» أن وزراء خارجية الدول الأوروبية يعملون على تغطية ضعف دورهم في الشرق الأوسط من خلال إجراء زيارات مستمرة إلى المنطقة، رغم أنهم يعلمون كل العلم بأنه ليس بإمكانهم أن يغيروا شيئا على الإطلاق.
كما رأت صحيفة فرانكفورته ألغيماينه أن إمكانيات التأثير على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من الخارج للدفع نحو تغيير الأوضاع في الوقت الراهن قليلة، وأن محاولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري لتخفيف حدة المواقف المتصلبة منيت جميعها بالفشل.
إن ما يحدث يؤكد أن المقاومة الفلسطينية للعدو الإسرائيلي الحل ولا بديل عن ذلك على الأقل في ظل الظرف الإقليمي والدولي الواهن الراهن.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .