العدد 2297
الأربعاء 28 يناير 2015
banner
“بومتعب...ما روينا من حنانك ومنك ما اكتفينا” فاتن حمزة
فاتن حمزة
رؤيا مغايرة
الأربعاء 28 يناير 2015



ليل طويل مظلم شنيع تلقينا فيه خبر وفاة والدنا ملك القلوب والإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولشده الصدمة واعتصار ألم الفراق، نفر الجميع مكذبين خبر وفاته، إنها طبيعة المرء لحظة فراق أحبته عندما يختطفهم الزمان بين ليلة وضحاها لنفاجأ برحيلهم.
عند تأكيد الخبر شعرت برحيل أياد حانية لطالما احتضنتني واحتضنت البحرين، حزن شوق خوف مشاعر متضاربة من وهل الصدمة، فهو منبع حنان ومصدر أمان للأمة ولشعب البحرين، إرهاب وضجيج وفتن استطعنا بدعمه مواجهتها، ومهما حيينا لن ننسى أفضاله ولن يمحو الزمان مشهد دخول درع الجزيرة دفاعاً عن البحرين من مخاطر داخلية وخارجية أرادت اختطافها.
مشاعر اليتم تخالج كل بحريني وعربي بعد وفاته، ولا يمكن وصف ولا استيعاب فقدانه، فبعد أزمة 14 فبراير أدرك كل بحريني من هو هذا الرجل العظيم، لقد استطاع أن يخفض ضربات قلوبنا باحتضانه واحتوائه ووقفاته، أب بمعنى الكلمة، صدق قولاً وفعلاً عندما قال “البحرين بنتي الصغيرة” و”إني كنت أنتظركم.. لماذا تأخرتم”، مؤكداً بعباراته الأبوية أن ما يمسنا ويمس استقرارنا وكرامتنا يمسه ويمس بلاده.
الجزع لن يجدي فهو قضاء الله وقدره فرحيله فاجعة وفراقه ألم، لقد كان ملكاً وأباً لكل العرب والمسلمين، ململماً لكياناتهم متحدياً لعوائق نهضتهم، متجاوزاً الكثير من التحديات السياسية والإرهابية والاقتصادية رغم خطورتها، حمل هم الأمة العربية والإسلامية وناصر قضاياها بكل عزيمة وإنسانية وسط موجة حادة من الاضطرابات، وظروف معقدة عصيبة حلت بالمنطقة.
إنجازاته وإسهاماته واقع لمسناه من رقي بلاده وتقدمها وعلى كل الأصعدة، عمل عليها بوفاء وإخلاص في أبهى صورة.
وقفاته المشرفة امتد صداها للعالم، لقد رأينا تغطية الصحافة الأجنبية لخبر وفاته والكلمات التي تحدثت عن هذه الشخصية العربية والإسلامية والدولية، لتؤكد لنا كم كانت إسهاماته واسعة وبصمته واضحة حتى على الملفات الدولية. إن من أجمل خصاله التي كانت لنا مبعث فخر وأمان إرادته الحرة ومواقفه خير برهان، فقد كان على الدوم رافضاً للتدخلات والإملاءات الخارجية أو الخضوع لها، كما كان محباً وساعياً للسلام وإرساء مبادئها بالحوار والتفاهم بين الأديان.
رجل متسامح صريح وشجاع، صلب وقيادي فذ تمكن بحكمته وصموده من اجتياز الصعاب، واستطاع برؤية استباقية وتجربة فريدة وبانتهاج مدرسة فكرية نيرة، أن يواكب التغيير والانفتاح حتى نجح في مهمته البنيوية بامتياز. حبيبنا ووالدنا فعلاً “ما روينا من حنانه ومنه ما اكتفينا”، لقد رحل ومازال في الحديث معه بقية، رحل وفي القلب له حنين وشوق، رحل تاركاً خلفه سياسة مستقيمة وحكايات قويمة، وأقاويل نقتبس منها العبر الحكيمة، رحل ومشاعر الأسى تختزل نفوس الأمة كبيرها وصغيرها.
وفاته أعطت الطغاة دروسا في أثر التعامل الحسن مع الشعوب وكسب مودتهم.
نحزن على فراقه إلا أننا مطمئنون أن هذا القائد العظيم خلف أسودا تسير على نهجه وتجدد مسيرته. نم قرير العين فقد صنعت بسياستك رجالا يستكملون إنجازاتك ومنجزاتك، قادرين على مواجهةالإرهاب وشر النفوس البغيضة الطامعة.
تكشفت لنا وجوه بعد رحيلك أعمتها الفرحة أن تخفي مكنوناتها الدفينة الحاقدة، حتى انكشف لنا أمرها مؤكدة كم كان فقيدنا قادراً على صلب الأعداء وتخريسهم، وخير قرار اليوم للتصدي لها وإكرامه أن نحقق له حلمه الذي سعى إليه في حياته وهو “الاتحاد الخليجي”، الذي سيعد نقلة أمنية وتحديا حقيقيا أمام المتطفلين الغادرين.
رحم الله والدنا وحبيبنا عبدالله وغفر له، بعدد دموع الفرح ونبضات القلب التي نطقت باسمه عند احتضانه شعبا كان حينها فاقداً أمنه واستقراره. صبرنا الله على فراقك وأعان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود وجعلهما خير خلف لخير سلف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية