العدد 2200
الخميس 23 أكتوبر 2014
banner
عن صورة الإسلام في الغرب إميل أمين
إميل أمين
الخميس 23 أكتوبر 2014

قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ببضعة شهور، كان الحضور الإسلامي في أميركا وأوروبا يتعزز عدداً وفكراً، وإلى الدرجة التي خشي معها اللوبي اليهودي تحديداً في الولايات المتحدة من تعاظم هذا الحضور، وتأثيره على مستقبليات الحياة السياسية في البلاد.
في ذلك الوقت بلغ أمر صداقة رجال الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب للجاليات الإسلامية حداً اقتربوا معه من إلغاء قانون الأدلة السرية، الذي كان يوجه بشكل خاص للعرب والمسلمين. في ذلك الوقت أيضاً ازدهرت المراكز الإسلامية، والجمعيات الخيرية، والكاتب شاهد عيان على فترة ذهبية للمسلمين في أميركا طوال ولايتي كلينتون وحتى ذلك النهار المشؤوم المعروف بالثلاثاء الأسود. كان الحادي عشر من سبتمبر وسيظل تاريخاً مكروهاً للأميركيين وللأسف فإنه يرتبط بحضور المسلمين في أميركا، وانسحب ظلماً على الجيل الثاني من مسلمي أميركا الذين ولدوا وتربوا هناك، وهي صورة ستبقى طويلاً جداً في الذاكرة الأميركية، وأطول من صورة بيرل هاربر، لاسيما أن الأولى تم تسجيلها وبثها مباشرة على الهواء. بعد مرور ثلاثة عشر عاماً، حاولت فيها الدول الإسلامية والمؤسسات والهيئات، تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين، كان أن بدأت الكفة تأخذ في الاعتدال إلى أن أصيبت المنطقة بوباء داعش الإرهابي، من قاطعي الرؤوس، والمطالبين بدولة الخلافة، ومهجري الأقليات الدينية المغايرة، ومهددي العالم شرقاً وغرباً في أمنه وأمانه. لم يكن مفاجئاً أو مثيراً أن تعود الصورة إلى ما هو أسوأ من حالتها في عام 2011 وبات كل مسلم إرهابيا أو مشروعا إرهابيا وبذلك انتكست الحالة الصحية للإسلام والمسلمين في أميركا وأوروبا من جديد، وبات الحديث الآن من الجانب العربي والإسلامي دفاعا عن الإسلام كدين ومعتقد، وإيمان ورسالة، غير ذي جدوى.
لكن من تناقضات القدر أننا نجد أميركيين وأوروبيين يأخذون جانب العدالة ويدافعون عن الإسلام والمسلمين، دفاعاً عقلانياً غير عاطفي، حتى وإن كانت داعش تسود الصورة في الحال، وتلقي بظلالها غير الإيجابية على الاستقبال. في أوائل شهر أكتوبر الجاري جرت على شاشات التلفزة الأميركية معركة فكرية بين النجم السينمائي الأميركي “بن أفليك” وبين “بيل ماهر وسام هاريس” مقدما برنامج “ريال تايم”، دافع فيها بين أفليك عن الإسلام والمسلمين مما عرضه لانتقادات لاذعة من أصحاب التيارات الدينية والسياسية المتطرفة في الداخل الأميركي، والذين اتهموه بالجهل والسذاجة وسخروا منه ولقبوه بالإمام أفليك والخليفة الصليبي. ولعل السؤال الحقيق بطرحه هل دفاع بن أفليك قادر على تغيير الصورة المغلوطة؟  يمكن القول إن بن أفليك أعطى انطباعا إيجابيا لدى العديد من سامعيه من الأميركيين، الأنجلوساكسون، فالممثل الأميركي الشاب، ليس ممثلاً جاهلاً مثل الكثير من نجوم هوليوود الذين لم يحصلوا على شهادة إتمام المدرسة الثانوية، وليس كمنتقديه من المتعصبين العنصريين، بل هو خريج جامعة هارفارد العريقة في دراسات الشرق الأوسط، أما منتقديه فمن الجهلاء العاطفيين، الذين لا تقوم آراؤهم على أسس معرفية أو موضوعية. على شاشة قناة HBO كان بيل ماهر يصف المسلمين بما ليس فيهم، متهماً إياهم بأنهم مثل المافيا، إذا انتقدت دينهم أو إذا كتبت كتاباً أو رسمت رسماً يعارض دينهم فهم يقومون بقتلك، ويبدو أن “ماهر” هذا له تاريخ طويل مع العنصرية ضد الإسلام، فقد استاء مؤخراً من تأكيد الرئيس أوباما على أن الجماعة الإرهابية المعروفة باسم “الدولة الإسلامية” أو “داعش” لا تمثل الإسلام، ويرى ماهر أن الإسلام لديه الكثير من القواسم المشتركة مع داعش.
لقد رفض بن أفليك هذه التعميمات الجسيمة والعنصرية البغيضة التي أضفاها المذيع الفاشي على الإسلام، وهو رفض يتسق ومواقفه السابقة، وتصريحاته التي أشار فيها إلى أنه على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤولية الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في الشرق الأوسط، كما أنه اتهم الإعلام الأميركي وهوليوود بنوع خاص بترويج صورة سلبية عن المسلمين والعرب. هل يدعونا موقف بن أفليك إلى تفكير في اتجاه بعينه؟
الشاهد أن هناك داخل أميركا وأوروبا عقولا صادقة عادلة من اليهود والمسيحيين، يستطيعون أن يقدموا صورة صادقة عن حياة المسلم وإيمانه وعقيدته وتعايشه السلمي والإنساني مع بقية شعوب الأرض.
وربما يعكس لنا موقف بن أفليك مواقف نجوم هوليووديين آخرين لهم رؤية إيجابية ناحية العرب والمسلمين، وكانت حرب إسرائيل الوحشية على غزة، على ألمها، مناسبة لإظهار من الصديق ومن العدو للمسلمين في هوليوود. تستدعي إشكالية صورة المسلمين في الغرب طرح علامة استفهام عن الاستثمار في شتى أنواع البروباغندا الإيجابية التي تخدم الوجود العربي والإسلامي حول العالم في القرن الحادي والعشرين، وفي المقدمة ولاشك السينما والتلفزيون والإذاعة ووسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة. في زمن الامبراطورية الرومانية كان الذي يعطي الخبر يعطي الشريعة، والآن من يصدر الصورة للناس، يكسب الرأي العام العالمي... فانظر ماذا ترى.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية