العدد 2109
الخميس 24 يوليو 2014
banner
الميدان الفلسطيني يضاهي كل الميادين ظافر الخطيب
ظافر الخطيب
الخميس 24 يوليو 2014

للفلسطيني أن يفخر، حين يخط تباشير الحرية، فيمسك بهذا الأبد في تماسه مع وعد يختبئ مع الفعل المقاوم بكل أشكاله، فيرفض الإبادة كما الانبطاح، ليحقق المفاجأة - الصدمة، فمرة يختفي خلف تلاوين اليأس، ومرةً أخرى يحدث صدمته، حين يأخذ التاريخ كبوة لينسى شعباً مازال يخضع للاحتلال، فيعيد كتابة أحرفه مرة جديدة، كسنةٍ جديدة، ومرحلة جديدة، فينتهي الأمر على تأريخ جديد، فيه ما قبل النهوض وما بعده، وما أدراك ما بعده، لكنه حتما ليس كما قبله، لأن فيه طعما متجددا للكرامة الفلسطينية.
وللفلسطيني مفاجآته، من صنع فلسطيني، يحددها توقيت فلسطيني، يديرها عقل فلسطيني، وبلا رتوش أو اتكاءات على محاور أو على اصطفافات مفارقة للتاريخ، للمرة الأولى ينقلب السحر على الساحر، وإذا كان المشروع الصهيوني برمته، قام أو استقوى بالمحطات التاريخية أو المنعطفات الحاسمة والتحولات العالمية، فها هو يفتح في جدار الضباب العالمي الكثيف وللمرة الأولى منذ عقود، ولربما منذ أن نكبت فلسطين، كوةً صغيرة بأفق كبير عنوانها أن الفرصة هي أكثر من متاحة، لا لتحقيق المشروع المرحلي، بل لصنع الحلم الفلسطيني الأصيل، المتجذر في القدم والصاعد نحو الأفق، ينسج لحظاته، هذا الكل الفلسطيني الممتد على مدى الانتشار الفلسطيني.
ربما كان ذلك تسرعاً في الحكم، ودون انتظار النهايات، لكنها حقيقة تتشكل على شكل البدايات، التي هي حتما مفتاح النهايات ومحددها، ولئن كانت أرقام الشهداء والجرحى تتسارع في تسجيل الأرقام القياسية، مع كل صاروخ تطلقه طائرات أف 16، كما في أرقام البيوت المدمرة، فإن في ذلك الإجماع على التحدي سابقة فلسطينية لم تعرف منذ عهود الانتفاضات المجيدة والهبات العنيدة.
وشكل البدايات رسمته تلك الجموع التي نزلت الميادين، في استعادة للروح الفلسطينية الصلبة، انتصاراً للمحروق بالبنزين النازي محمد أبوخضيرة، في القدس وحيفا وعكا ورام الله والخليل، وشكل البدايات رسمته الحركة الوطنية الأسيرة في استراتيجية الأمعاء الخاوية، وشكل البدايات رسمته سواعد المقاومة كما الحجر والمولوتوف بأيدي شباب أو شابات المدن الفلسطينية والمخيمات بالرغم من كل التنسيق الأمني وسياسات الاحتلال النازية، وعليه فإن شكل البدايات أعاد الانتظام الفلسطيني بكل مكوناته، شيبا وشبابا، نساءً وشيوخاً أطفالاً ورجالا ومقاتلين خلف مقولة النضال الوطني الفلسطيني التي لطالما كررت بكل تعبيراتها، أنها لن تسكت حتى ينطق التاريخ ويفرج عن عدالة نهائية تحقق فجر فلسطين الذي لطالما انتظرنا.
على أن ذلك لا يكفي، فهناك عدو شرس مرتبك، يتمتع بقوة كبيرة، وخلفه ضوء أخضر أميركي يتطور شيئاً فشيئاً، محدده الأساسي هو حماية هذا الكيان، ومسعى عربي ينزع منحى التهدئة مهما كان الثمن، وفي ذلك خدمة مباشرة أو غير مباشرة، لحكومة نتيناهو، فالمعركة هذه المرة كانت مفاجأة بتوقيتها، وبكيفياتها لكل اللاعبين على مستوى الإقليم وعلى مستوى العالم، فهناك ملفات أخرى كانت محل تركيز هؤلاء، وكان يفترض أن تظل محل الانشغال بانتظار نهاياتها.
يعرف الفلسطينيون بكل مشاربهم أن هناك ربحاً بالنقاط قد تحقق في إطار المعركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة العدو المرتبك وكل تحالفاته، ميزة هذه النقاط أنها تحققت استناداً إلى طاقة فلسطينية ومنعطف تاريخي مازال يتسم بالغموض، على صعيد التوازنات العالمية وانعكاساتها على الإقليم، ومن جملة هذه المكاسب تلك المتعلقة بالاستراتيجية الفلسطينية التي تجسدت على مستوى الفعل الميداني، دون حاجة إلى أن يجلس الساسة في الإدارات الفلسطينية إلى طاولة الحوار الفلسطيني من أجل رسمها، فكل المطالبات السابقة على مستوى إعادة تحديد المشروع الفلسطيني وصوغ استراتيجية تتكامل فيها كل أدوات النضال، كانت تصل إلى طريق مسدود، في حين نجح الميدان وربما كان في مقولة تغيير المعطيات يبقى أقوى من أي سياسية أو استراتيجية، هو التوصيف الأمثل لمجريات الواقع، وهكذا يمكن اعتبار ذلك مرشداً لبداية مشوار طويل يتوج بالنجاح.
تغيير المعطيات الميدانية ومراكمة النجاح، على أساس الثقة بالنفس واستخدام كل عناصر القوة المتاحة، هي الاستراتيجية الفلسطينية، على أن هناك حاجة أكيدة لإعادة الاعتبار لفكرة الهدف الاستراتيجي، إذ لا استراتيجية فلسطينية بدون هدف استراتيجي متفق عليه، بهذا يصبح بالإمكان الحديث عن استثمار سياسي، استثمار مزدوج، يتجه باتجاه الداخل الفلسطيني ليحقق جرعات من الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل، وإلى الخارج عنوانه أنه لا سلام بدون أن ينعم الفلسطيني بالسلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .