العدد 2673
الإثنين 08 فبراير 2016
banner
حمام سباحة لحماية الرئاسة عطا السيد الشعراوي
عطا السيد الشعراوي
ستة على ستة
الإثنين 08 فبراير 2016


وفق ما نشر في بعض الصحف، وافق رئيس إحدى الدول على إعادة مبلغ من المال كان قد أنفقه منذ عدة أعوام لإجراء إصلاحات في منزله، لكي يسدل الستار على قصة مثيرة وطويلة وينهي حالة من الجدل تنفيذًا لما اوصت به المؤسسة المسؤولة عن الدفاع عن الشعب بأن يقترح الرئيس نفسه أن يتم تحديد المبلغ المالي الذي يتعين عليه دفعه، بطريقة مستقلة، فاقترح الرئيس تشكيل هيئة من جهات رسمية لتحديد المبلغ الذي يتعين عليه دفعه.
تثير هذه القصة التي تحدث في دول كثيرة شجونا، كونها تعكس استخفافًا بعقول الشعوب، إذ بررت مؤسسة الرئاسة في تلك الدولة أعمال الإصلاح التي أجريت بمنزل الرئيس بأنها جاءت لضمان أمنه وسلامته.
بطبيعة الحال عندما نسمع كلمة ضمان الأمن والسلامة يجب أن تخرس كل الألسنة ويصمت الجميع، لأننا بالتأكيد إزاء وضع خطير قد يعرض الدولة وشعبها لما لا يحمد عقباه، ما يجعل الجميع يقبل إما طوعًا أو كرهًا هذه الإصلاحات الضرورية لحماية الدولة وأمن رئيسها.
إلا أن وجه الغرابة ومصدر الاستياء هو طبيعة هذه الإصلاحات الضرورية لأمن رئيس الدولة، إذ إنها لا تتعلق بتشديد الحراسات وتقوية الاسوار وسلامة البنيان وإنما شملت إقامة مزرعة أبقار وأخرى للدواجن، وحمام سباحة ودار ضيافة.
حتى استجابة الرئيس لم تأت من فراغ أو لرغبة منه في إغلاق الملف إيمانًا بحق الشعب في تلك الأموال، وإنما هربًا من الطريق القضائي واحتمالات صدور حكم في تلك القضية بإدانته، فكانت استجابة “باهتة” وخالية من أي مضمون يعطيها قيمة حقيقية فيما يتعلق بالنزاهة والشفافية واحترام المال العام.
نأتي بعد ذلك للحلقة الأهم والأخطر والأكثر غرابة واستخفافًا بالعقول والانحياز لجانب “الخرافة” على حساب الحقيقة والحكم بالأهواء على حساب الأدلة والمنطق، وهو موقف الوزارة التي عهد إليها الرئيس بحساب التكاليف التي يتعين عليه دفعها، إذ قررت بكل جرأة وبـ “شجاعة” تحسد عليها إعفاء الرئيس من إعادة أي مبلغ مالي.
مرة أخرى قد يكون ذلك مقبولا إن كان له مبررات موضوعية وأسانيد حقيقية وهو ما لم يحدث وفق تفسير هذه الوزارة ذاتها، حيث أكدت أن حمام السباحة يعد عنصرا استراتيجيا لإخماد النيران، وبالتالي فإن بناءه يعد من قبيل توفير بنية تحتية لضمان أمن الرئيس.
لقد اضاف هذا الموقف بعدًا جديدًا كان خافيًا على رجال المطافي ولم يخطر على بالهم وهو “حمامات” السباحة من أجل إخماد النيران وإطفاء الحرائق، ومن هنا يتوجب على كل شخص أن يحرص على توفير هذا “الحمام” عند تصميم منزله أو مصنعه ليكون درعًا واقيًا وحصنًا منيعًا.
كان من الممكن تبرير حمام السباحة بأنه ضرورة “استراتيجية” لصحة الرئيس والإسهام في تكوين بنية قوية والتمتع بجسم سليم عبر رياضة السباحة لأهميتها الشديدة، فهذا على كل حال أكثر قبولاً من التفسير الذي ارتاحت له الوزارة.
هذا عن حمام السباحة، فماذا عن مزرعة الأبقار التي تبدو كأنها ابعد ما يكون عن النواحي الأمنية والسياسية والاستراتيجية وتحتاج لعقول “داهية” لتقنع الشعب بها وتبررها.
بالفعل، ساقت الوزارة سببًا “مقنعًا” وله علاقة بالأمن، إذ رأت أن تشييد مزرعة للأبقار وأخرى للدواجن من شأنه أن يساعد على إبقاء “الحيوانات” بعيدا عن النظام الأمني.
هذه الحكاية وقعت بالفعل في إحدى الدول، لكنها تتكرر بصيغ متنوعة وفي موضوعات أشد خطورة في دول غربية كثيرة تدعي الديمقراطية يتم فيها تبرير أفعال المسؤولين وتغولهم.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية