العدد 2786
الثلاثاء 31 مايو 2016
banner
لقاء تاريخي في الفاتيكان (2) سالم الكتبي
سالم الكتبي
الثلاثاء 31 مايو 2016


إن الزيارة التي تأتي بعد سنوات من “تعليق الحوار” من الأزهر والفاتيكان، لم تأت فجأة فهناك تواصل وحوارات تجري منذ فترة بين الأزهر والفاتيكان منذ تولي البابا فرانسيس رئاسة الكنيسة الكاثوليكية. لذا فإن هذا اللقاء سيضع النقاط على الحروف في أمور ومسائل كثيرة، لاسيما أن القيادتين الدينيتين ـ شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان ـ مشهود لهما بسعة الأفق والانفتاح والاعتدال كما قلت، حيث سبق أن دعا البابا غير مرة في تعليقه على الارهاب الطائفي في دول مختلفة من العالم العربي والإسلامي إلى “تفادي التعميم لأن الاسلام الحقيقي يتعارض مع اي شكل من اشكال العنف”، في حين يقف الأزهر بقوة ضد العنف والارهاب، ولا يتبنى مواقف لا تردد فيها ولا شكوك، حيث سبق أن دان الأزهر “بحزم” شديد الأعمال الارهابية الحاقدة في عواصم أوروبية مختلفة مؤكداً انتفاء العلاقة بين هذه الجرائم وتعاليم الدين الاسلامي. هذا اللقاء التاريخي سيسهم في تكريس مبدأ التعايش في وقت نحتاج فيه جميعا، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، إلى هذا المبدأ كطوق انقاذ وبديل لا غنى عنه لإنهاء الصراعات وسفك الدماء في كثير من دول المنطقة، فلاشك أن شيخ الأزهر الرجل الوقور الدكتور أحمد الطيب من أكثر علماء الدين الاسلامي إيماناً وقناعة بمبدأ التعايش بين الأديان والحضارات، وعلى الجانب الآخر فإن بابا الفاتيكان عبر من جانبه عن إيمانه بهذا المبدأ، وتناول في تصريحات له مؤخراً، هذا الموضوع قائلاً “في الجوهر التعايش بين المسيحيين والمسلمين ممكن. اتحدر من بلد يتعايشون فيه بشكل جيد”، ويبدي تفهماً جيداً للأحداث التاريخية ولا يقرأ التاريخ بعين متعصبة أو متشددة، كما أنه داعية حوار حتى بين الطائفتين الارثوذكسية والكاثوليكية، حيث التقى البابا فرانسيس في فبراير الماضي البطريرك كيريل بطريرك موسكو وعموم روسيا للأرثوذكس بعد اكثر من الف سنة على القطيعة بين مسيحيي الشرق والغرب، كما أنه سبق أن قام بزيارة مساجد ودور عبادة يهودية ويقيم علاقات جيدة مع الكثير من قادة الدول الإسلامية، وله مواقف مؤكدة في عدم التفرقة بين المسيحيين والمسلمين، وهذه اعتبارات ومؤشرات تسامح عميقة تصب في مصلحة الحوار الإسلامي ـ المسيحي. من الناحية التقليدية، فإن زيارة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للفاتيكان ولقاءه بابا الكاثوليك زيارة تاريخية بكل المقاييس، ولكن عامل التوقيت يضفي عليها مزيداً من الأهمية والعمق التاريخي، كونها تأتي في ظروف بالغة الحساسية، وتعكس وعياً هائلاً من جانب مؤسسة الأزهر الشريف، بكل تراثها ودورها وأثرها العلمي والديني والتاريخي الضخم، حيال تكريس مبادئ التسامح والتعايش الديني والانساني بين أصحاب الديانات المختلفة، والتأكيد على ضرورة الحوار كبديل لا غنى عنه من أجل الأمن والاستقرار ونبذ التطرف والارهاب والغلو في الدين. لقاء أهم قيادتين دينيتين في العالم الاسلامي والمسيحي يمثل ضربة قاصمة للارهاب والتطرف، ويؤكد قيمة التسامح والتعايش والاعتدال، وهي القيم التي تؤمن بها دولة الامارات وتعمل دوماً على تكريسها في واقعنا المعاصر. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية