العدد 2814
الثلاثاء 28 يونيو 2016
banner
جيش الشاه وجيش الولي الفقيه (1) د. كريم بني سعيد
د. كريم بني سعيد
الثلاثاء 28 يونيو 2016

تتبع تاريخ الجيش في إيران يدل على أنه منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، أي منذ ملوك الفرس الإخمينيين والساسانيين وحتى عصر حكم ولاية الفقيه، كان الجيش خاضعا دوما لشخص الحاكم، سواء كان الشاه أو الولي الفقيه، ولم يتحول الجيش من دوره كأداة بيد الحاكم إلى “جيش وطني”.
ويعود تاريخ تكوين الجيش الإيراني المعاصر إلى العهد الصفوي (1501 - 1736)، حيث كانت البلاد قبل ذلك مفككة، وكانت الشعوب في الجغرافيا الإيرانية تحكم نفسها بنفسها على شكل أقاليم مستقلة أو إمارات محلية، ولم تقبل هيمنة أجنبية عليها.
لكن الجيوش الصفوية التي بلغ قوامها أكثر من 60 ألف جندي وكان يتم تحديثها بانتظام، سيطرت على أغلب شعوب المنطقة وأخضعتها لحكم هذه السلالة لمدة 236 عاما. إلّا أنه رغم كل هذا العدد والعدة، لم يتحول الجيش الصفوي إلى جيش وطني بالمعنى السياسي، وإنما بقي متمحورا على شخصية “الشاهنشاه” أي “ملك الملوك” وبقي هذا الولاء ركنا أساسيا في منظومة السلطة المبنية على المذهب الصفوي. لذلك عندما ضعف الشاه، ضعفت الجيوش وراءه وسقطت الدولة الصفوية أمام مجموعة قليلة من القبائل الأفغانية بقيادة محمود الأفغاني.
بعد ذلك، جاءت السلالة الأفشارية التي أسسها نادرشاه وهي من جذور تركية وعلى المذهب السني، وتبعت نفس النمط الصفوي في توسيع الجيوش الجرارة حيث بلغ قوامها أكثر من 375 ألف محارب، وهذا يعتبر من أعظم الجيوش في تاريخ إيران. وعلى اثره فتح الأفشاريون قندهار وداس دلهي عاصمة الهند، وارتكبوا مجازر ضد هذه الشعوب راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شخص.
ويذكر المؤرخون الإيرانيون أن نادرشاه كان أقوى ملك على رأس أعظم جيش، ولكن كسابقه لم يتحول هذا الجيش العظيم إلى جيش وطني يدافع عن الوطن والشعب، وإنما بقي مقيدا بأوامر الشاه والولاء لشخصه، وحينما قُتل نادرشاه في خيمته في خراسان عام 1747، تبعثرت الجيوش وتقسمت إيران أجزاء متعددة تحت حكم أمراء الحرب، وسادت الفوضى واستمرت سنوات.
عند مجيء السلالة الزندية بعد الأفشارية، تكرر نفس الموضوع في بناء الجيوش في تاريخ إيران الحربي. وقام كريم خان الزندي أعظم ملوك الزندية ببناء جيشه بالاعتماد على القبائل المنتمية إلى القومية اللورية، ولم يخرج إطلاقا من نطاق القبيلة والانتماء إليها.
أما في عهد السلالة القاجارية التي حكمت إيران من 1789 إلى 1921، أي قرابة 132 عاما، فاستعادت الولايات والأقاليم استقلالها الذاتي وبقيت بعيدة عن السلطة المطلقة للنظام الحاكم، حيث كانت أولويات الشاه القاجاري بالدرجة الأولى جمع الضرائب، ومن ثم إظهار الولاء له دون أن يتدخل الشاه بشكل مباشر في شؤون الأقاليم. وكان الجيش في هذا العهد يعتمد على القومية التركية الآذارية ويلتزم فقط بوفائه للشاهنشاه وأوامره.
من جانب آخر، كان قانون المستعمرات البريطانية يحدّ من تدخلات الشاه في شؤون الولايات الداخلية، وكان يدعم الحكم الذاتي في الأقاليم ويحافظ عليها. واستمرت هذه الأوضاع على هذا النحو حتى اندلاع الثورة البلشفية في روسيا القيصرية التي أثارت مخاوف كثيرة لدى البريطانيين والدول المتحالفة معهم، خصوصا حول توجه عيون روسيا الشيوعية نحو مياه الخليج العربي، مما يهدد مصالح شركة الهند الشرقية وبشكل عام العرش الذهبي البريطاني في الهند التي كانت تخضع لانتدابها. من أجل ذلك، قررت بريطانيا وحلفاؤها توحيد السلطة والجيش في إيران ليكون سدا بوجه التمدد الروسي، كما أنهت نظام الحكم اللامركزي للولايات الإيرانية التي كانت تحكم بنظام شبه فيدرالي أو أقاليم شبه مستقلة.
وفي هذا السياق، تم اختيار “رضا خان ميربنج” قائد فرقة الخيالة في الجيش القاجاري، حيث تمت ترقيته كقائد عسكري ثم وزير حرب ثم رئيس وزراء حتى تعيينه كشاه على إيران الجديدة بانقلاب عسكري. وأصبح رضاشاه بهلوي ملكا جديدا على إيران، ولكنه استمر بنفس البذور الفكرية التي كان يحملها أسلافه في إيران حول بناء جيش وفي ومطيع له.
وفي عام 1925 احتل رضاشاه الأهواز بقوة السلاح وضوء أخضر من بريطانيا العظمى آنذاك، وصادر ثرواتها النفطية التي كانت أهم مصدر تمويل لبناء جيشه الجديد. وقام بهذه الأموال، بتحديث جيشه وتسليحه بدبابات وطائرات حربية لم يملكها أي جيش إيراني في السابق.. للحديث تتمة.. الشرق الأوسط.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية