العدد 2110
الجمعة 25 يوليو 2014
banner
في ذكرى ثورة يوليو المجيدة محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الجمعة 25 يوليو 2014

اثنان وستون عاما مرت على ثورة الثالث والعشرين من يوليو ولا تزال أصداؤها تعيش في وجدان العرب جميعهم من المحيط إلى الخليج. ولا يمكننا الحديث حول ثورة يوليو دون أن نستذكر مفجرّها الأوّل الزعيم جمال عبدالناصر الشخصية العربية الخالدة حتى وقتنا الحاضر. ومصر هي الأولى والرائدة ذلك أنّ جميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وجميع العرب مدينون لها. وفي اللحظات التاريخية الاستثنائية التي حاول البعض أن يخرجها من مسارها العربيّ العروبيّ باءت محاولاته بالفشل الذريع.
على مدى ستة عقود من الزمن وقدر مصر أن تكون قاطرة العروبة وعلى مدى ستة عقود ومصر تنهض بما تمليه عليها مسؤوليتها العربية تجاه اشقائها العرب وبحكم انتمائها القوميّ الذي لم يتغير في يوم من الايام. إنّ الذي يتذكره العرب قبل المصريين ومنذ انطلاقة الثورة هو أنّها خاضت أربعة حروب كلفتها الكثير من الأرواح والكثير من الخسائر المادية. حتى وفي أشد الحالات التي عانت فيها مصر من الحصار السياسي والاقتصادي فإنّها بقيت ثابتة على نهجها العروبيّ والقوميّ الأصيل.
كان محمد نجيب أول قائد للثورة بحكم انه الأعلى رتبة عسكرية من رفاقه الضباط الأحرار بينما الجميع كان على علم أكيد بأنّ جمال عبدالناصر هو العقل المخطط للثورة. لكن سرعان ما تفجّر الخلاف بين الرجلين والذي هو في الأصل خلاف بين رؤيتين حول مستقبل مصر السياسيّ. فبينما كانت رؤية نجيب تذهب باتجاه ان تتولى البلاد سلطة مدنية منتخبة كانت رؤية عبدالناصر ان الثورة لابدّ ان تبقى تحت سلطة الجيش في الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد. ونتيجة للتحديات وما تواجهه من اعداء يخططون للإجهاز عليها في اية لحظة. ومن بين هؤلاء ممن اشار اليهم عبدالناصر هم جماعة الاخوان المسلمين اضافة الى الاقطاعيين الذين سرقوا أقوات ومقدرات الشعب المصري على مدى عقود طويلة.
وطبقا لمقولة ذائعة لجمال عبدالناصر هي “الحرية لابدّ أن تحميها قوة مادية حتى تترسخ ويكون الشعب بعد ذلك هو الاقدر والاكفأ على حماية حريته وثوراته”.
وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع رؤية عبدالناصر في ما ذهب اليه فإنّ الرجل استطاع أن يقود مصر في ظروف عصيبة للغاية وأن يحقق للشعب المصري العديد من الإنجازات على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الى الحد الذّي عدّها المؤرخون أنها أحد أهم الأحداث في القرن العشرين. ولا يعني هذا أنّها ثورة خالية من الأخطاء والسلبيات. هي كما وصفها شاعر العرب الكبير الجواهري بقوله الى زعيمها “لا يعصم المجد الرجال.. وإنّما كان عظيم المجد والاخطاء”.
ولم تنس مصر وهي تواجه التحدّيات طوال تاريخها بل في أشدّ المراحل صعوبة واجبها تجاه اشقائها العرب. فمن من العرب لا يتذكر ما قدمته من دعم سخيّ لإخوانهم في الجزائر للتخلص من هيمنة الاستعمار الجاثم على صدورهم ومَن مِن العرب ينسى وقوف مصر مع اليمن للتخلص من حكم الأئمة الغارق في تخلفه ورجعيته.
ولا يضير ثورة يوليو أنّها لم تستطع أن تنجز جميع ما نادت به في تربة الواقع المصري من ثورة اجتماعية والقضاء على الجهل والفقر وإحداث إصلاح جذري في القطاع الزراعي الذي كانت تسيطر عليه طبقة كبار الملاك وغيرها من مبادئ. الاّ انّ الذي لا ينكره أحد أكان من مؤيدي الثورة أم من خصومها هو أنّها أحدثت ثورة عميقة في الوعي العربيّ الذي كان يعيش مغيباً تماماً عن واقعه.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية