العدد 2297
الأربعاء 28 يناير 2015
banner
العقاب الجماعي محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الأربعاء 28 يناير 2015


ظاهرة تدق أجراس الخطر في المؤسسات التربوية لدينا، لأنها تتعلق بحاضر أطفالنا ومستقبلهم، القصّة باختصار شديد هو أنّ مجموعة من أولياء الأمور تقدموا الى وزارة التربية بشكوى ضد معلمة تنتهج اساليب عقاب قاسية بحق أبنائهم من خلال الضرب والعنف ضدهم وتوجيه كلمات بذيئة وإهانات اليهم، الطلاب بعضهم في الصف الثاني الابتدائي والبعض الآخر في الرابع. وكانت نتيجة هذا النوع من العقاب القاسي عزوفهم عن الذهاب الى المدرسة خوفاً من بطش المعلمة علاوة عن تدهور حالتهم النفسية.
إنّ التساؤل الذي يرد بالذهن لأول وهلة هو لماذا تلجأ معلمة بالمرحلة الابتدائية الى مثل هذا العقاب القاسي بحق أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثماني سنوات؟ ولماذا تتجاهل هذه المعلمة النظريات التربوية التي يفترض انها كانت على إلمام تام بها والتعامل معهم بهذه الأنماط من السلوك؟ وهل من المنطقي أن تتلفظ مربية بكلمات من قبيل “أنت غبيّ” أو “أنت حمار” لأطفال المرحلة الابتدائية؟ المشكلة الأكبر هو أن العواقب المؤدية لمثل هذه السلوكيات مدمرة لحاضر ومستقبل الاطفال.
في دراسة أجريت بدولة شقيقة حول الألفاظ النابية أكدّت أنّ ما يقارب من الـ 80 % من الأطفال في سن المدرسة يتعرضون للألفاظ السيئة ليس فقط من زملائهم بل الأدهى أحيانا من بعض معلميهم ومعلماتهم. المسألة لا يجب الاستهانة بها فإذا كان مفهوما أن يكون المصدر هم الأطفال فإنه ليس مقبولا ولا مفهوما على الإطلاق أن تكون صادرة من المربين، وكما أشار أحد أولياء الأمور الى أنّ الفاظا تخرج من المعلمين والمعلمات تشعرنا نحن كآباء وأمهات بالخجل والحرج الشديد.
الآباء يطمحون من المدرسين أن يغرسوا في نفوس ابنائهم القيم الفاضلة والأخلاق الرفيعة بيد أنّ هؤلاء للأسف يفاجئون ويصدمون بأنّ ابناءهم يتلقون نمطا من العادات السيئة ناجمة من سوء تصرف معلميهم عبارة عن الفاظ نابية ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تكون ردود افعالهم غاضبة ويعبرون عن دهشتهم بالقول إننا لم نرسل اطفالنا لمثل هذا التعليم وممن؟ من الذين يفترض فيهم القدوة والمثال والنموذج.
لعل الخشية هنا هو أنّ الطفل في هذه السن تحديدا هو اشبه بالإسفنجة يمتص ما يتلقاه من البيئة الاقرب وتتمثل في المعلمين وأفراد الأسرة. وانهيار النموذج لدى الطفل أو عدم الثقة به يفضي بالضرورة الى افتقاده الى المثل الأعلى في حياته وهنا يتطلع الى من يقوده الى بر الأمان. وحين يستمع الطفل الى لفظ منهم وهو بعد لا يملك الوعي فقد يصبح فيما بعد تقليدا وربما تدخل ضمن نسيج وعيه، والذي أكده علماء النفس أنّ هذا الطفل بعد أن يتعدى المرحلة الابتدائية اي بعد ان يكون قد امتلك الوعي فإنه يردد هذه الألفاظ لإثارة غضب وحفيظة الأهل واستفزازهم.
نقدر وندرك دون شك حجم وصعوبة المهمة التي ينهض بها المعلمون لكنّ الذي يجب عليهم هو الإبقاء على اتزانهم وهدوئهم وألاّ يخرجوا من دائرة الفعل الى رد الفعل لأنّ هذا يخرج التربية من رسالتها الى النقيض تماماً. أحيانا يقع المعلمون في أخطاء فادحة نتيجة انفعالاتهم بحق تلاميذهم، والأضرار المتوقعة هو فيما تخلفه من آثار وعواقب نفسية قد تبقى ملازمة لشخصياتهم حتى آخر حياتهم.
التعامل السلبيّ مع الأطفال يؤدي الى بناء صورة مشوهة للطفل عن نفسه ويجعله ميالا الى العزلة وتجنب الاختلاط بالآخرين. أما الأخطر من هذا وذاك هو في نظرته المضادة الى المدرسة وهنا تكون مهمة المدرسة العمل على اعادة الثقة بالمعلم بالمزيد من الرقابة والحزم بحق كل من يتجاوز القانون ويسيء الى هيبتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية