العدد 2478
الثلاثاء 28 يوليو 2015
banner
أوهــام دولــة الخــلافــة محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الثلاثاء 28 يوليو 2015

قد يكون أقرب إلى المبالغة إطلاق وصف “الأردوغانية” على المرحلة التي تولى فيها رجب طيب أردوغان السلطة في بلاده. فما كان يتمتع به أردوغان من جاذبية وكاريزمية تلاشى وشارف على الأفول. الذي بقي من الأردوغانية لا يتجاوز خيطا واهيا هو مجرد بقاء أردوغان نفسه على كرسيّ الرئاسة وهو – أردوغان - بتعبير أحدهم (رئيس من ورق). صحيح أنّ الأردوغانية في بدايتها كانت جاذبة وكان بريقها خاطفا للأبصار ذلك أنّه كان من أحلامها النهوض بدور عالميّ إضافة الى محاولاتها الدؤوبة وسعيها الدائم لفرض وتطبيق منهجا للتعايش بين الإسلام والديمقراطية أي إعادة أمجاد الخلافة الإسلامية وهو الحلم الذّي كان مستقرا في مخيلة ملايين المسلمين منذ أمد بعيد وجوهره أنّ النخب المتدينة بإمكانها بناء الدولة من جديد.
نتذكر أنّ رجب طيب أردوغان في زيارته لبعض الدول العربية في العام 2011م إبّان هبات الربيع العربيّ كان قد أطلق اشارة ذات دلالة بالغة عندما قال انّ تركيا لا تحاول نقل التجربة التركية الى البلدان العربية القائمة على صيغة التعايش بين الاسلام والديمقراطية لكنها تسعى لأن تكون مصدر الهام، لأنّ تركيا اثبتت انّ الاسلام والديمقراطية يمكن أن يتعايشا معا بشكل جيد. وكون المرء مؤمناً لا يحول دون العيش في ديمقراطية وأن يكون النظام ديمقراطيا لا يحول دون الإيمان. ومنذ سنوات ونحن نعيش الأمرين معاً في هذا البلد.
عندما اطلق اردوغان هذا التصريح كان حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه اردوغان يعيش اوج زهوه ومجده. ولم يكن بمقدور أحد ان يمتلك الجرأة على تفنيد ما يطلقه من شعارات وأهمها هذا المزج المدهش بين الإسلام من جهة والديمقراطية من جهة أخرى. في تلك المرحلة استطاع حزب العدالة أن يحدث تحولا جذريا في العلاقة بين الجيش والدولة. ذلك انّ الجيش بقي لأمد طويل فوق القانون حتى استطاع الحزب إقامة نوع من التعايش بينهما، الأمر الذي عدّه المحللون اشبه بالمعجزة بالمقاييس السياسية كما انّ الحزب اقام علاقات احترام بين كل الاحزاب السياسية.
لكن يبدو أنّ الوضع اليوم في ظل ما لحق بحزب العدالة والتنمية من خسارة انتخابية ولأول مرة منذ ان صعد الى الحكم في عام 2002م وحصوله على نسبة متدنية بما يعادل أربعين في المئة فقط أي 258 مقعدا داخل الجمعية الوطنية التركية أي انّ هذه النسبة لم تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده والتي ادت الى تراجع “النموذج الأردوغانيّ” ليس على الساحة الداخلية فحسب بل ايضا على الساحة الخارجية.
كان بين أحلام السيد رجب طيب أردوغان التي جعلته يتصرف كالأباطرة التمهيد لبقائه في الحكم حتى العام 2023م وهو العام الذيّ تحل فيه الذّكرى المئة على تأسيس الدولة التركية بزعامة كمال اتاتورك. ولعل ما شجعه على هذا، تحول الدولة التركية من دولة نامية الى دولة مستقرة، هذا الصعود الاقتصادي يعد احد الاسباب لصعود التيارات الإسلامية في المنطقة.
لعل الذّي أسهم في إسقاط الأردوغانية هو ما تشهده من انهيار اقتصادي متمثل في تزايد الواردات التي بلغت ضعف الصادرات مما أفضى الى عجز الميزان التجاري، وتنامي النزعة الاستهلاكية ناهيك عن تفشي البطالة بمعدلات غير مسبوقة.
وتركيا بوصفها دولة تنتمي للعالم الثالث لم يستطع الحزب الحاكم التخلص من تسلط وهيمنة ما سُمي بمراكز القوى على مراكزه ومواقعه، إذ إن الملاحظ هو انفراد القائمين بسياسة لا تتوافق مع سياسة الدولة، وإزاء ما ساد من احتجاجات وتذمر في الأوساط الشعبية فقد تراجع حزب العدالة الحاكم على المستوى الشعبيّ وشهد تراجعا للحريات العامة بشكل غير مسبوق، والهيمنة على وسائل الإعلام ناهيك عما تعرض له المعارضون من تنكيل ومطاردة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية