العدد 2514
الأربعاء 02 سبتمبر 2015
banner
الرجل الذي فضحنا محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الأربعاء 02 سبتمبر 2015

الذي رأى صورة المواطن السوري بائع الأقلام في شوارع بيروت وهو يحتضن ابنته ذات الأعوام الخمسة فإنه يكتشف حالة العجز والهوان بل الدرك السحيق الذي هوت إليه أمتنا.
إنه إعلان عن موت الضمير العربي. ورغم نداءات الرجل واستغاثاته المتكررة أمام مرأى ومسمع العالم بأسره إلا أن أحدا لم يهب لنجدته، وصرخاته لم تلامس أسماع أحد ممن ينتمون إلى الإسلام أو العروبة. بيْد أن المفارقة أنها لامست رجلاً واحدا فقط من النرويج! الذي هب بكل ما يملك من مشاعر وطاقة ومتجاوزا كل الانتماءات الدينية والعرقية ليجمع وعلى وجه السرعة 38 ألف دولار ويغادر إلى لبنان حيث يتواجد هذا اللاجئ ليرسم الفرحة على وجه الرجل وابنته.
 أن أبسط وصف لما أقدم عليه النرويجي من فعل هو الشعور الإنساني السامي مجسدا في الوقت ذاته مقولة طالما ترددها أفواهنا دون قلوبنا ليل نهار مفادها “الناس إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق”. أما هذا الرجل الذي لا تربطنا به أي علاقة من أي نوع ففعل ما عجزت عنه الأمة برمتها. إن مثل هذا الموقف الإنساني يعطينا القناعة بأننا فقدنا كل المشاعر الإنسانية. بعد هذا التخاذل هل يحق لنا كعرب ومسلمين القول “إننا خير أمة أخرجت للناس”؟
إننا نعرف كما يعرف العالم أجمع أننا هزمنا في كل معاركنا، لا العسكرية فحسب بل الأدهى المعركة الأخلاقية ناهيك عن التنموية التي فشلنا فيها فشلا ذريعاً. إن هذا الرجل القادم من أوروبا كشف زيفنا وادعاءاتنا. من هنا فإن مبادرة الرجل الذي لا نعرف اسمه تأخذ شكل المعجزة أو شكل المستحيل.
 كان التصور بعد أن تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورة اللاجئ السوري أن يهب الأثرياء العرب ممن تنوء بثرواتهم خزائن المصارف الأوروبية أن يهبوا لنجدة الرجل، غير أن الصدمة المروعة أن يطبق الصمت عليهم أجمعهم وكأن هذا الرجل ينحدر من جزر الواق واق أو ينتمي إلى قبائل الماو ماو. ليس من تفسير للحالة المشار إليها سوى أن الأمة تعيش الغيبوبة التي لا شفاء لها.
 إن حالة هذا الإنسان السوري ليست الوحيدة التي تختصر مأساة المشردين السوريين. فالمأساة متعددة الأبعاد ولعل الذاكرة تستحضر في هذه المناسبة واحدة من أبشع فصولها ونعني بها ما تتعرض له نساء سوريا اللاجئات من استغلال وامتهان لكرامتهن.
 فبعض العائلات اللواتي اضطررن لترك وطنهم واخترن العيش في إحدى البلدان المجاورة نقول اضطررن إلى القبول بعروض زواج غير متكافئة وغير طبيعية وغير إنسانية على الإطلاق لطلب الستر والبحث عما يقيم أودهن. الذي دفع بهؤلاء إلى القبول بالزواج وفي مثل هذه الظروف اللاإنسانية إضافة لما سبق هو الأوضاع المعيشية البائسة.
 الزيجات التي تمت في غير قطر عربي وبأعداد ناهزت الآلاف كانت أشبه بسوق النخاسة للحرائر السوريات. إنها كارثة إنسانية أن يتم استغلال حالاتهن ويتم الزواج/ الصفقة بأبخس الأثمان/ المهور، لا فرق بين الاثنين.
 لا أحد قلبه مع هؤلاء ولا أحد من المتشدقين بالعروبة والإسلام يكترث بمصير الملايين من أبناء سوريا المشتتين في العالم. ولعل الأفدح ما يجري للآلاف منهم ممن يلاقون حتفهم في “قوارب الموت” والمحزن أن عربيا واحدا لم يأسف لهم وكأن ما يجري أمامهم ليس سوى فيلم ميلودرامي! في ضوء هذه البلادة التي تعم بلداننا العربية كافة هل يحق لنا القول: لماذا لا يعلنون وفاة العرب؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .