العدد 2549
الأربعاء 07 أكتوبر 2015
banner
هيبة المعلّم في خبر كان! محمد المحفوظ
محمد المحفوظ
ومضة قلم
الأربعاء 07 أكتوبر 2015


    عندما طالب القضاة في ألمانيا بمساواتهم بالمعلمين جاء الرد الذي تناقله الإعلام والمواقع التربويّة عن المستشارة الألمانية ميركل “كيف يتساوى الطالب بأستاذه؟ لن أساويكم بمن علّموكم؟” العبارة رغم بساطتها ورغم أنها لم تتجاوز بضع كلمات الاّ أنّها باعتقادي مثلّت درساً اخلاقياً راقيا جدا في كيفية اعطاء المعلم مكانته. كأنّ المستشارة ميركل ارادت ان توجه رسالة بالغة الدلالة لا الى القضاة وحدهم بل الى كل فرد من شعبها الالماني برمته مفادها أن نهضة المانيا ومنجزاتها العلمية ما كان لها أن تتحقق لولا جهود هؤلاء المعلمين، وكأنّ ميركل ارادت ان تقول اننا جميعا مدينون لمعلمينا كلٌ حسب جيله.
ويحق لنا التساؤل هنا لماذا يتمتع المعلم في المانيا وربما في بلدان أخرى بأعلى دخل من القضاة والاطباء بخلاف ما هو سائد في بلداننا العربية والعالم الثالث؟ الاجابة لا تتطلب عناء كبيرا ذلك انّ تقديرنا للمعلّم يعني أننا وضعنا حجر الاساس للتنمية والتقدم، اما الحقيقة التي غفلنا عنها طويلا في تحقيق نهضة تعليمية شاملة فإنّها تتمثل ببساطة في انّ المسؤولين عن التعليم “استوردوا” النظريات من شرق العالم وغربه لكن الذي فاتهم أنهم تناسوا وغفلوا عن تكريم المعلم بالقدر ذاته ولذا ليس مستغربا أن تأتي النتائج مخيبّة للآمال.
    هل تأخرنا في ايلاء المعلم المكانة التي يستحقها؟ ربما تنصرف الاذهان الى أن المعنى يذهب الى التقدير المادي وحده .انّ هذا رغم أهميته البالغة الا أنّ التقدير الاهم هو اعطاء هذا الانسان المكانة التي يستحقها وإعادة هيبته التي فقدها. إنّ “ميركل” حصرت تكريم المعلم في جانبه المادي وحده ولا نقلل من هذا اطلاقا فمن حق المعلمين كما هو حق جميع طبقات المجتمع أن ينالوا ما يستحقون من أجور تقيهم وعوائلهم العوز وألاّ يضطروا الى اللجوء الى العمل الاضافي الاّ انني تمنيت لو كانت هناك اشارة الى التكريم الآخر بألاّ يبقى موضع سخرية من طلبته. المهم الآن أن يعي القائمون على التعليم في بلداننا العربية مكانة المعلم وأن يعيدوا النظر في الوسائل المتبعة للارتقاء بالتعليم والبداية بكل تأكيد تنطلق من المربي.
   إنني لا أفهم ابداً لماذا هذه “البهدلة” التي يتعرض لها المعلمون من قبل طلبتهم بوجه أخص، وإنه لمن المؤسف أن نقرأ بين الحين والآخر حوادث الاعتداءات على من اختاروا انبل وأقدس مهنة على الاطلاق. والمؤسف بدرجة اشد ان تمر مثل هذه الاخبار دون ان تثير اهتمام أحد وكأنّ المسألة لا تستحق التوقف أمامها فضلا عن التحقق منها. ان يتعرض معلّم الى الاعتداء من قبل أحد طلابه فهذا مؤشر على اختلال المقاييس الاخلاقية وانحدار مخيف على تردي القيم لا يجب أن نستخف به.
     ليس تهويلا ابداً اذا قلنا إنّ المعلم يحمل في يده مفاتيح العالم ومقادير البشرية، لذا فإنه لمن المحزن ان المعلم لم يعد يحظى بتلك المكانة او الشخصية التي كان عليها في سالف الايام التي مثلّت بالنسبة لمعلمي تلك الحقبة العصور الذهبية، ويبدو التساؤل هنا مشروعا على من تقع المسؤولية في فقدان المربين مكانتهم؟ بالطبع وزارة التربية والتعليم هي الطرف الأكبر في تحمل المسؤولية. وإلاّ هل من المنطقيّ أن مجرد شكوى يتقدم بها وليّ الامر تجاه أي معلّم فالملاحظ انّ المعلّم يقع في موضع الاتهام والمساءلة. أما الطرف الآخر فإنهم بالطبع أولياء الامور الذين ينظرون للمعلم بوصفه جلاداً ومن السخرية هنا انّ الاغلبية لا يبحثون مستوى الابن الدراسيّ بقدر ما يمارسون استجوابا بوليسيّا الامر الذّي يؤدي الى علاقة غير سليمة بين الطرفين يكون ضحيتها الطالب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .