العدد 2136
الأربعاء 20 أغسطس 2014
banner
حقوق الإنسان ودجال القرية د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الأربعاء 20 أغسطس 2014

يحكى أن دجالا حل في قرية نائية وعاش من النصب والاحتيال على أهلها البسطاء فيحور لهم الدين كيفما يشاء ويعطيهم فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان مستغلا بساطتهم وجهلهم كي يبتز اموالهم، حتى شاهد في احد الأيام امرأة جميلة فأعجبته وسأل عنها فعرف أنها زوجة لأحد المزارعين وهو يحبها حبا شديدا، صار الدجال يلحق بالرجل في كل مكان كي يجد طريقة يستولي بها على زوجته حتى رآه في أحد الأيام يبصق فتفتق فكره الشرير عن خدعة وذهب للرجل وقال له:
لقد أتيت أمرا شنيعا أيها الأخ فقد بصقت باتجاه القبلة وهو فعل حرام وأضحت للتو زوجتك منك طالقا وتحرم عليك.
فزع الرجل المسكين وسقط على يد الدجال يطلب عونه للنجاة من هذه المصيبة الكبيرة فأشار عليه الشرير ان لا حل سوى أن يطلقها ويتزوجها هو ثم يعيدها اليه بعد الطلاق، وهكذا صار ولما ذهب الرجل ليستعيد زوجته رفض الدجال وجمع اهل القرية لضربه كونه يتعدى على أعراض الناس ونواميسهم.
فهم الرجل اللعبة وترصد للدجال ورآه يوما يبصق هو الآخر باتجاه القبلة فانقض عليه قائلا:
هاقد أتيت نفس عملي وعليه فقد اصبحت زوجتك حراما عليك ووجب ان تطلقها.
ضحك الدجال وقال: صحيح انني كنت باتجاه القبلة عندما بصقت ولكنني عدلت لساني الى اليمين فجاءت البصقة باتجاه آخر ولن تنال مني.
هذه القصة تذكرني بسيدة الديمقراطية أميركا التي طالما تغنت بديمقراطيتها وعدالتها وكونها الحامي الأول للديمقراطية في كل ارجاء كوكب الأرض بل وحتى الكواكب الأخرى ايضا وكما قال رئيسها السابق بوش ان الله ارسله ليقود أميركا في مهمة مقدسة هي احلال الديمقراطية في كل العالم. وكانت الديمقراطية دوما سيفا مسلطا على رأس اية دولة في العالم تعادي اميركا ورخصة لها كي تدس الدسائس وتعلن الحروب من اجل الديمقراطية مثلما فعلت في فيتنام في حرب اكلت الأخضر واليابس ونفس الشيء في كوريا وغرينادا وكوبا وباناما وصولا الى العراق وأفغانستان، إن ايا من هذه الدول لم تر خيرا من ديمقراطية أميركا سوى الويلات والثبور وعظائم الأمور.
ولكن الغريب ان هذه المستميتة لإحلال الديمقراطية في كل مكان ضاق صدرها بتحققها على أرضها وبين شعبها وبعد ان كانت تنادي بحق الشعوب بالتظاهر لسبب أو بدون سبب وتطلق منظمات ما يسمى بحقوق الإنسان كي تصدر التقارير والانتقادات اللاذعة لأية دولة تحاول الحفاظ على الأمن والقانون حتى لو كانت هذه المظاهرات لدوافع غير سليمة أو غير ديمقراطية وتطالب الحكومات بأن تتفرج على المتظاهرين يفعلون ما يشاءون دون ان تتعرض لهم، اظهرت وجهها القبيح في مواجهة التظاهرات التي قام بها الشعب الاميركي ضد تصرفات الشرطة العنصرية التي قتلت مواطنا اسود البشرة لمجرد الاشتباه به.
وبدلا من أن تقف الحكومة الديمقراطية موقفا حازما من الشرطة وتمنع التصرفات العنصرية والتعرض للأقليات بحسب لون البشرة فإذا بها تمنع المتظاهرين بوحشية طالما انتقدتها عندما تحصل في دول أخرى بل وصل الأمر الى سقوط عدد من القتلى والجرحى واعتقال المئات من المتظاهرين وإرسالهم الى السجون في عدة ولايات أميركية.
وكعادتها في وضع المعاني الجديدة للمعايير المزدوجة في العالم ادعت أميركا أن أية تظاهرات فيها هي فعل غير مشروع لأن اميركا دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات لا حاجة لأحد فيها بالتظاهر!
وهكذا نرى أن دجال القرية أصبح قائدا لما يسمى بالعالم الحر ويحمل لقب الولايات المتحدة الأميركية ويصدر الفتاوى بتحريم الأفعال على الحكومات الأخرى بينما يحللها على نفسه وطبعا على حبيبة قلبه اسرائيل التي هي الأخرى في حل من اية قوانين او التزامات دولية تطبق على غيرها، بينما نحن كأهل القرية البسطاء مازلنا نطلق مقدراتنا وثرواتنا وأرضنا واستقلالنا ونعطيها بيدنا للدجال حرصا منا على ان يكون راض عنا!
فهل نتعظ ونبصق بوجه الدجال هذه المرة؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .