العدد 2395
الأربعاء 06 مايو 2015
banner
الدعم الذكي د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الأربعاء 06 مايو 2015


الدعم بكل اختصار هو مبالغ تدفعها الدولة من ميزانيتها لتعديل أسعار بعض الخدمات والسلع مما يجعلها في متناول الأشخاص ذوي القدرة الشرائية المحدودة أو لزيادة تنافسيتها أمام البضائع المستوردة من دول أخرى.
واقتصاديا لا يعتبر الدعم الحكومي من السياسات التي يشجع عليها خبراء الاقتصاد والمال لما تسببه من خمول في التنافسية وإدمان لدى المستهلك على الأسعار غير الواقعية وكذلك الأعباء التي تلقيها سياسة الدعم على ميزانية الدول دون أي مردود فعلي منها.
وكما أن استمرار الدعم لفترة غير محدودة يعتبر خطأ اقتصاديا بنيويا فإن رفعه المفاجئ قد يشكل صدمة اقتصادية في المجتمع قد لا تحمد عقباها بسبب تأثير ارتفاع الأسعار المفاجئ على ذوي الدخل المحدود.
وفي البحرين تقدم الدولة دعما كبيرا لأسعار الوقود والكهرباء والماء والطحين واللحوم والخدمات الصحية والتعليمية بغية تيسير الأعباء المالية على المواطنين والمقيمين وهي بادرة تشكر عليها الحكومة رغم أنها تتكبد أعباء مالية كبيرة جدا في سبيل توفير هذا الدعم بشكله الحالي.
ولكن المشكلة في الدعم أن جزءا كبيرا منه يصل إلى من لا يحتاجه أولا أو يتم توزيعه بشكل غير مدروس ثانيا، ولو ترجمنا هذا الكلام إلى لغة الأرقام فإن سيارة صغيرة بمحرك أربع اسطوانات تستهلك 10 لترات بنزين في كل 100 كيلومتر بينما سيارة جيب بمحرك 8 اسطوانات تستهلك 25 ليترا لنفس المسافة، ولو افترضنا أن كلا منهما يقطع 50 كيلومترا يوميا فإن السيارة الصغيرة تستهلك 150 ليترا بنزين شهريا بينما نظيرتها ذات الثمانية اسطوانات تستهلك 375 ليتر بنزين، ولو افترضنا حجم الدعم الحكومي على كل ليتر بنزين هو 50 فلسا فإن صاحب السيارة الصغيرة يحصل على سبعة دنانير ونصف شهريا، بينما صاحب السيارة الأخرى يحصل على قرابة تسعة عشر دينارا من قيمة الدعم رغم أن سيارته أغلى أي أن مستواه الاجتماعي والمادي أعلى أيضا ناهيك عن أن الأسعار المنخفضة للوقود تفتح شهية المهربين لتهريبها وبيعها في دول أخرى بأسعار مضاعفة.
ونفس الشيء ينطبق على اللحوم المدعومة التي يذهب قسم كبير منها إلى المطاعم والفنادق فتباع بعشرات أضعاف سعرها المدعوم مما يجعل الدعم يذهب في قسم كبير منه إلى مؤسسات تجارية ربحية ليست بحاجة إلى إعانة أو دعم مادي.
إن الدعم غير الموجه بشكل دقيق ليصل إلى مستحقيه يعتبر إهدارا لموارد الدولة ولا مبرر له، ويشكل عبئا على الموازنة العامة، يتراكم عام بعد عام تاركا ظلاله على قدرة الحكومة على تنفيذ المشاريع المفيدة للوطن والمواطن.
لذا فإن من الضروري إعادة هيكلة الدعم، فمثلا بخصوص الوقود يمكن تخصيص بطاقة ذكية لكل مواطن لكمية محددة شهريا من الوقود بالسعر المدعوم والباقي يمكنه شراؤه بالسعر الحقيقي بأي كمية يرغب بها.
وبالنسبة للحوم فيجب تخصيص مراكز محددة لبيع اللحوم للمطاعم والفنادق والشركات ولا يحق لها شراء أي لحوم مدعومة من السوق وعلى هذه المطاعم إبراز فواتير تثبت مشترياتها من هذه المراكز.
أما الخدمات الصحية فإن المجانية منها يجب أن تقتصر على الطوارئ فقط بينما يكون هناك نظام تأمين صحي شامل للمواطنين والأجانب على حد سواء يساهم في رفع أعباء العلاج عن كاهل الدولة أولا ويزيد المنافسة ورغبة القطاع الخاص في الاستثمار في إنشاء مستشفيات ومراكز طبية خاصة ويفعل قطاع التأمين في نفس الوقت.
إن الحكومة توفر الدعم للجميع حرصا منها على تسهيل حياة المواطن والمقيم الذي يتوجب عليه بدوره عدم الإسراف في استهلاك السلع المدعومة حرصا على المال العام وتقليصا لفاتورة الدعم التي تدفعها الحكومة عنه سنويا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .