العدد 1382
الجمعة 27 يوليو 2012
banner
الدراما.. صناعة وإنسان سمر المقرن
سمر المقرن
الجمعة 27 يوليو 2012

منذ ما يقارب الأربع سنوات، وأنا أعيش في عزوف عن متابعة الأعمال الفنية العربية، لم يعد فيها ما يجذب المشاهد، وإن كانت المسلسلات والأفلام المصرية هي الحاصلة على الصدارة في سنوات سابقة، إلا أنها تأخرت وتراجعت كثيرا، ولم يعد يتصدر المشهد سوى المسلسلات السورية التي أبهرت المشاهد بالمعالجة الاجتماعية ومتانة صياغة النص، مع ذلك لم تنل هذه الأعمال حظها ونصيبها من نسب المشاهدة وانتشارها بين القنوات كما حدث مع المسلسلات التركية وقبلها المكسيكية، فمع أنها تافهة إلا أنها تمكنت من اجتذاب الناس بكل فئاتهم وخصوصا في دول الخليج العربي، مما ينبئ بوجود فجوة بين المشاهد والأعمال العربية تم ردمها من خلال الأعمال التركية، ونقد هذه الأعمال “سلبيا” أو التقليل منها ليس الحل، إنما البحث عن احتياجات المشاهدين وقيام دراسات علمية تساهم في البحث عن هذه الاحتياجات، ولتقويم ما يتم تصويره مستقبلا هو الأهم.
المسلسلات الخليجية أيضا لها حظ وفير من نِسب المشاهدة، واقترابها من المشاهد الخليجي لأنها خرجت من بيئته، لكنها في الوقت ذاته لا تُرضي كثير من الاحتياجات لأنها لا تقوم على العناصر الأساسية في جذب حواس المشاهد واندماجه مع العمل، فنجد إما دراما بكائية وصراخ وأصوات مزعجة، ومشاهد مظلمة توحي للمشاهد بأن الحياة كلها مشاكل ونكد، أو كوميديا تعتمد على المحاكاة وتقليد الشخصيات بهدف إضحاك الناس عليهم وعلى لهجاتهم وأشكالهم، وإظهار الشخص الذي تم تقليده بمظهر مُبالغ ومصطنع، وهذا ما يؤكد على أن الكوميديا الخليجية الحالية غير قادرة على صناعة “الكاركتر” بمواصفات فنية مكتملة، ومعالجة إبداعية. وهذا ما وجدته في الأعمال الخليجية بعد عودتي للمتابعة هذا العام باستثناء عمالقة الكويت القدامى، وكذلك السعودية.
ما تطرحه الشاشة التلفزيونية في هذا الوقت، ليس أكثر من تهريج هذا على مستوى الأعمال الكوميدية. أما من ناحية الأعمال الأخرى، فيمكن القول بأن الأعمال المصرية الجديدة وعلى رأسها مسلسل “الخواجة عبدالقادر” ومسلسل “فرقة ناجي عطا الله”، فيهما تأكيد على تغير نمط الأعمال المصرية وصعودها من ناحية النص وعمقه الفلسفي، وعناصر الابهار والصورة بما فيها من مباشرة أو من خلال اسقاطات سياسية أو اجتماعية. هذه الأعمال وظهورها بهذا الرقي الذي لا يستخف بالمشاهد، هي أعمال تستحق الاحترام والتقدير والإشادة. أما الأعمال التي لا تحترم نفسها ولا تحترم المشاهد، فهي عاجزة عن التقاط ما يجذب الإنسان من داخله، لذا تعتمد على الشكل الخارجي والتسويق والانتاج، الذي يساعد في رواجها، ونجاح هذه الأعمال مؤقت في إثارة الجدل وخلق غضب الناس وصنع أعداء، إلا أن الأهم ليس هذا النجاح – الفقاعي- الذي يكثر حوله الحديث سواء بالإشادة أو النقد، النجاح هو بقاء العمل وشخصياته في وجدان الناس، وانعكاسه على حياتهم.
المادة الفنية الراقية هي انعكاس للشعوب الراقية، والكوميديا الضاحكة كتلك التي عشنا معها سنوات طويلة من حياتنا في طاش ما طاش” وقبلها “درب الزلق” وغيرهما، هي أعمال قدمت الإنسان الخليجي بكل أشكاله، لكنها احترمته ولم تقلل منه، لذا لا زالت في وجداننا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية