العدد 2236
الجمعة 28 نوفمبر 2014
banner
امرأة تخطب في صلاة العيد (2 - 2) خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 28 نوفمبر 2014

هل يمكن أن نعرف لماذا اعترض “حراس العقيدة” على خطبة عفراء في صلاة عيد الأضحى لعام 1435هـ؟ هل لأن امرأة تتحدث؟ أم هناك ضرب من الانحراف في الكلم؟
أفضل ما جاء في الخطبة أنها كانت بلغة ريتشارد قلب الأسد؛ فمعظم الحضور هم من الجالية التي تتقن الإنجليزية، وفي القرآن كما في سورة إبراهيم أنه ما أرسل الله من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، فيؤمن من شاء أن يؤمن، ويكفر من شاء أن يكفر.
والثاني حركة إنقاذ الخطبة من اتجاهين؛ الأول توليد المعاني من شكلية “الطقوس” فما معنى ذبح الحيوان وتسميته “قربان التضحية”؟
تحدثت عفراء بتحريك علم الجذور “الجينيالوجي” إن هذا التقليد قام به إبراهيم عليه السلام لأن الأوامر كانت بذبح الغلام؛ فلما امتثل وقال إسماعيل افعل يا أبت ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، بعد أن خيره الوالد بقوله فانظر ماذا ترى؟ في أروع علاقة بين الوالد والولد. فداه الله بذبح عظيم.
هنا وقفت عفراء لتقول إن التضحية هي إعلان التوقف عن ذبح الإنسان في كوباني أو كوبا، تحت أي مسوغ وشعار. إنها كما نرى إنقاذ الإسلام من يد المتشددين والمحنطين وفقهاء العصر المملوكي.
قالت عفراء: “من هذا المكان وفي يوم عيد الأضحى يتم إعلان “موت” مؤسسة الحرب بأشكال شتى، من لبس البياض، ونوع البشر المجتمعين، بأن المكان للناس جميعا، وأن الكرة الأرضية يجب أن تتحول إلى كعبة هائلة بحجم الجنس البشري، وأن الأشهر الحرم الأربعة يجب أن تمتد على طول السنة؛ فلا يتقاتل الناس، كما طلب معاذ الخطيب في بلاد الشام بوقف قتال الفصائل المتناحرة أربعة أيام وليس أربعة اشهر؛ فلم يستجب إنس ولا جان”.
قالت عفراء على لسان “آينشتاين” إنه سؤال وجودي عن طبيعة الوجود الذي يطوقنا هل هو عدواني مريب؟ أم إيماني أريب؟ ومن رحم الجواب يولد السلوك بين إنساني ومتوحش، بين أن يصبح أحدنا بشرا سويا، أو شيطانا مريدا؛ فأدخلت بذلك عفراء الفلسفة إلى حوض الدين، والفيزياء إلى رحاب الإيمان، وخلصت الخطبة من فقهاء العصر المملوكي، ووعاظ السلاطين، ودعاء المتشديين بهلاك تسعة أعشار الجنس البشري، بل وتخليص الفكر الإسلامي من أناس تحللت عظامهم فهي رميم، ليس عندها علم لماذا يتقاتل الناس فوق حجارتها؟ وأكثر من ذلك عتق الضمير من اتباع بشر رفعوا أنفسهم إلى مقام كائنات معصومة، تتعالى فوق الخطأ، ويزيغ عنها النقد.
ضربت عفراء بكلمتين من “العلم” و”السلم” الكهنوت والطاغوت، فهما نسختان من نفس العين الحمئة، التي ترى أفضل الحلول في قتل الإنسان، والتي تعيش على شعر المتنبي أن السيف أفضل أنباء من الكتب، وتتغذى على خرافات وخلافات أكل الدهر عليها وشرب، لصراعات بين البشر، تمت قبل آلاف السنين، لقضايا لا تهمنا بأكثر من فائدة مريض يعرض عليه أحدهم الاستشفاء من كل الأمراض بأكل الملفوف.
في النهاية عفراء جلبي هي لبنتي وابنتي، شربت من كأس العلم دهاقا، وتغذت بروح السلام مترعة، عنى بها خالها جودت سعيد، داعية اللاعنف والمقاومة المدنية في سوريا، فلم يستفد منه السوريون أكثر من فلاح استفاد في سماد أرضه من علوم التفاضل والتكامل.
لقد عاصرت أنا وأمها رحمها الله ليلى سعيد نمو هذه النبتة فأحسنا تربيتها وغذاءها أو هكذا أزعم، فعرفت أنها سوف تسبقنا وتكون قرة عين لنا، وقد كان، كما ينقل عن نيوتن أن من يأتي بعدنا يركب ظهورنا فيرى أبعد منا. إنها اليوم تخطب في منبر عالمي، بلغة تتقنها وتتمكن من مفاصل البيان فيها، فتنقلها عبر التكنولوجيا الحالية إلى جنبات الأرض جميعا.امرأة تخطب في صلاة العيد (2 - 2)

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية