العدد 2355
الجمعة 27 مارس 2015
banner
الانقلاب الغربي زينب الدرازي
زينب الدرازي
الجمعة 27 مارس 2015



يبدو أن ربيع المتطرفين والإرهابيين من تنظيمات إسلامية ومليشيات قبلية آن أوان نهايته، السياسة ليست صديقة لأحد، إنها صديقة المصالح وكما يبدو أن ما كان مطلوبا من هذه الطغمة الفاسدة الحاقدة اكتمل او اصبح الوقت غير مناسب لاكتماله النهائي. الأيام دائما حبلى بالتغير والقوى السياسية على الساحة تتغير بتغير قدراتها الاقتصادية ورؤيتها لمصالحها، فما يناسبها اليوم قد لا يناسبها في الغد. وعليه لزم التغيير، ان قرارات دول الغرب سواء السرية أم العلنية بتقسيم دول المشرق العربي وفرض هيمنتها العسكرية والاقتصادية لم تسر بالمسار المعد له، ولعل غلطة أميركا بتفتيت مؤسسات الجمهورية العراقية كان المسمار الأول في نعش خطتها. ورغم محاولاتها الجادة في التعديل والتغيير إلا ان الاستعانة بسياسة الانجليز المشهورة “فرق تسد”، لم تأت بثمارها وأصبح تقسيم العراق على أساس طائفي وعرقي هو العامل الذي منع استقرار العراق وبالتالي استقرار المنطقة ككل. لقد تعلمت دول الغرب وعلى رأسها أميركا الدرس وأصبحت اكثر حذرا في إعادة التجربة في ليبيا بعد القذافي، الا ان السيف سبق العذل، فأموال بريطانيا على الأقل طوال السنوات السابقة ورعاية أميركا للمعارضة الليبية لم تستطع أن تنتج معارضة قادرة على احتواء ليبيا وبناء دولة. ومن المؤسف أن دول الغرب في ضربها لليبيا وإسقاط المستبد معمر القذافي بمساعدة عربية لم تنتبه أو لم تعر الموضوع أهميته، ألا وهو أن ليبيا دولة من غير دولة فلا توجد حتى المؤسسات الطبيعية التي توجد حتى في اكثر الدول فقرا.
اليوم تحاول دول الغرب بعد فشلها الجزئي تدارك ما يدور وترتيب البيت العربي بحيث تظل هيمنة المنظمات الإسلامية المقبولة منهم هي المهيمنة والأكثر فرصة لتولي الأمور. ولعل العقبة الحالية المتمثلة في الشعب العراقي وقدرته على استعادة بعض الأراضي من داعش بسرعة أفزعت الأميركان وحلفاءهم هي التي أجبرت اميركا وحلفاءها على تغيير سياساتهم تجاه المنطقة، فرغم الضغط الاميركي المستمر على إيران من خلال سياسة العصا والجزرة ومن خلال المفاوضات النووية التي تهدف إلى تجميد النووي الإيراني لفترة محددة مقابل رفع العقوبات عنها، إلا أن ايران ايضا خصم لا يستهان به حيث استطاعت تغيير المعادلة من خلال العراق واليمن وسوريا ولبنان. اليوم يجد الغرب نفسه ملزما بأن يقدم بعض التنازلات، بدأت بالزيارة المشهورة لوفد البرلمان الفرنسي بموافقة مبطنة من الرئيس الفرنسي نفسه. ثم تصريحات لأميركا ترى فيها ان الحل السلمي هو الحل للوضع في سوريا وأن اميركا ستقوم بتدريب المعتدلين السوريين حتى يكونوا قادرين على المشاركة في السلطة السياسية. وبدأت الدول العربية التي كانت تصر على ان في سوريا لا يكون الحل الا العسكري تتراجع وتقبل بأن تتبنى الحل السياسي، وإن كانت مازالت تصر على ان يكون اي حل بدون بشار الأسد.
اليوم يفاجئنا وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” في مقابلة مع اذاعة البي بي سي، بقوله: “إن الولايات المتحدة الأميركية ستضطر الى التفاوض مع الرئيس بشار الأسد، من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا”. ورغم ان المحللين يعللون هذا التغير الى توسع ما يسمى الدولة الإسلامية والخوف منها إلا ان الحقيقة هي ان فشل الدولة الإسلامية في تحقيق ما رمت اليه اميركا هو الذي ادى بها للتنازل والقبول بعمل سياسي لتنقذ ما تبقى من كرامتها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .