العدد 2168
الأحد 21 سبتمبر 2014
banner
وزارة “البلديـات”... حائرة في الطائرات حمد الهرمي
حمد الهرمي
ستة على ستة
الأحد 21 سبتمبر 2014

في وزارة البلديات يلبسون البشوت وينتخبون الفريق الذي يسافر معهم ثم يركبون الطيارة على الدرجة الأولى متوجهين الى دول العالم المتقدم وأحيانا كثيرة غير المتقدم، ويبعثون صورة للصحافة مع خبر صغير يقول إن المسؤول في رحلة عمل للاطلاع على التجارب المتقدمة في مجالات عدة من ضمنها كيفية التعامل مع “الزبالة”.
طبعا البحرين في حاجة ماسة لأساليب حديثة للتعامل مع “الزبالة” لأن الديرة امتلأت بها في حقيقة الأمر، وصارت تقنيات التخلص منها تحتاج الى دعم دولي وخصوصا الدول المتقدمة التي استطاعت ان تحل مشاكلها مع “زبالتها وزباليها” في ذات الوقت.
ليس التركيز على “الزبالة” من باب الاستخفاف أو السخرية بل من باب التطرق الى المضحك المبكي، فبينما نسمع عن شح الميزانيات والتقتير والترشيد تأتينا الأخبار كل يوم عن وفد من وزارة البلديات يسافر الى احدى الدول للاطلاع على تجاربهم، اليس من المضحك والمبكي في آن واحد ان نسمع هذا التبذير على السفر بحجة نقل التجارب فيما وزارة البلديات لا تملك ميزانية لاستكمال مشروع الآيلة للسقوط او مشروع عوازل مياه الأمطار او تنظيف الشوارع وغيره من الخدمات الفاشلة التي يشهد عليها الجميع؟
بحسبة بسيطة قدرت تكلفة سفر وزير البلديات الى أي بلد أوروبي باعتبار دول أوروبا دولا متقدمة ذات تجارب من الإيجابي الاطلاع عليها، تذاكر السفر لثلاثة اشخاص على الدرجة الأولى اضافة الى السكن لمدة اربع ليال مع المخصص اليومي نحن نتحدث عن عشرة آلاف دينار، في سفرة واحدة فقط وهذا المبلغ وحده من شأنه اصلاح اكثر من (25) سقفا من سقوف بيوت مدينة عيسى المتهالكة، اذا ما بالنا لو وفرنا مبالغ كل السفرات التي تتحجج بالاطلاع على تجارب الآخرين، أعتقد اننا سنتمكن من عمل انجازات كثيرة، اهم بكثير من البصبصة على زبالة العالم الخارجي. لست أقلل من أهمية الاطلاع على تجارب الآخرين، لكن تجارب الآخرين بإمكاننا الآن الاطلاع عليها بكبسة زر من خلال الشبكة الدولية، ناهيك عن اتصال لا يكلف دينارا واحدا لسفارتنا في البلد المقصودة تجربته لتوفير المعلومات المهمة حول تجربتهم في مجال (لم الزبالة والتخلص منها) على سبيل المثال لا الحصر، ونكون قد وفرنا عشرة آلاف دينار من المال العام. هذا اذا لم يكن هناك شيء يراه وزير البلديات والمسؤولون لديه نحن لا نراه في واقع الأمر من سفرات الاطلاع على التجارب، ولا اقصد هنا الفسحة والاستجمام والتمتع بالمخصصات والتسوق، وانما اشياء قد تكون سياسية ربما او تخدم سمعة البلد او غيره من الأمور السرية التي يتم التكتم عليها!
هذه السفرات عامل مشترك بين عدد من الوزارات لكنني اذكر وزارة البلديات من باب النموذج الصارخ لهذه الظاهرة التبذيرية المتناقضة مع دعوات الترشيد من جهة ومتناقضة مع الحجة التي يواجهون الناس بها بينما يسألون عن حقهم في الخدمات وفي مقدمتها ترميم البيوت التي هي في الحقيقة اهم بكثير من سياحة المسؤولين في وزارة البلديات.قرار صغير من الحكومة بوقف سفرات الاطلاع على تجارب الآخارين لمدة عام واحد فقط في جميع وزارات الدولة والاعتماد على خدمات تقدمها لنا حملاتنا الدبلوماسية في تلك الدول وكذلك الاعتماد على تقدم وسائل الاتصال، ولنلاحظ كم من الميزانيات ستوفر تلك الوزارات اذا التزمت بهذا القرار، ربما نستطيع بهذه الاموال تقديم خدمة مفيدة للناس اهم من لبس البشوت والقيام برحلات علاء الدين وياسمين والفرجة على العالم.
هذا سيدفع بلا شك الى تمتين العلاقة مع وزارة الخارجية التي تعاني من البطالة المقنعة لدبلوماسييها في العالم، الى درجة ان الدبلوماسيين في السفارات يعتقدون ان عملهم هو استقبال الشخصيات وتوصيل الرسائل، فيما هم يعتبرون دولة متكاملة في حدود دولة أخرى.. ربما نرى ذلك بوضوح مع السفير البريطاني والسفير الأميركي وغيرهم.
عود على موضوع المقال، أعتقد ان التوقف عن مراقبة “زبالة العالم” ستوفر على البلد أموالا كثيرة تستطيع وزارة البلديات صرفها على مشاريع تساهم في تحسين سمعتها امام الناس وتكون اشارة الى رغبة المسؤولين فيها في اثبات جدارتهم بمناصبهم وأنهم جادون كمسؤولين عن اهم قطاع يمس الناس.
يقول لي احد الأصدقاء من تونس بلهجته الجميلة “وزارة الزبلة متاعكم عليها هجوم برشا”.فأجيبه قائلا هذه الوزارة مشغولة بالزيارات الخارجية منذ اكثر من ثلاث سنوات تبحث عن الأسلوب الامثل لتقديم خدماتها للناس ولا يزال مسؤولوها حائرين في الطائرات ممسكين بالأطلس وكل يوم يختارون بلدا الى درجة ان ميزانية المشاريع استنزفت ولا يزال البحث جار عن التجربة المثالية للتعامل مع وزارة البلديات.. لكن الناس لا يقدرون برشا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية