العدد 2352
الثلاثاء 24 مارس 2015
banner
مــا ســر استقــالــة الدكتــور فرحـــان؟ حمد الهرمي
حمد الهرمي
ستة على ستة
الثلاثاء 24 مارس 2015

لم أكن أتوقع أن مقال الأسبوع الماضي الذي دار حول سيطرة التيارت الإسلامية على المناصب والوظائف الرسمية و”تطفيش” الكوادر البحرينية المدربة والكفوءة سيحظى بهذا الاهتمام من قبل الناس، فوجئت بانتشاره الكبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يعبر عن أن الناس تعاني من هذا الأمر وأن أبناء البحرين القادرين على إحداث الفرق مهمشون ومطاردون من قبل كوادر التيارات التي تحتمي بقربها من أصحاب القرار.
مرة أخرى نصادف هذا الأمر واقعيا عبر استقالة أمين عام المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور أحمد فرحان، لست على علاقة شخصية معه لكنني أستقي معلوماتي من الإعلاميين المحليين ومراسلي الصحف والقنوات الدولية الذين يشهدون للدكتور أحمد بالكفاءة والمعرفة للملف الذي يسند له، ناهيك عن قدرته على الإجابة على مختلف الأسئلة الخاصة بحقوق الإنسان كما أنه قادر على التعبير عن الواقع البحريني الفعلي بصورة مقنعة بدون ابتذال أو مبالغات، ما جعل السياسات المحلية مقبولة لدى المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية.
لماذا يطفش شخص مثل الدكتور أحمد؟ هناك سبب سيبدو للرائي بسيطا وصغيرا بينما هو في حقيقته سبب جدير ومقنع لأي كادر ذكي يراقب الواقع جيدا، السبب هو دخول اسم وزير حقوق الإنسان السابق على الخط وهو المنتمي لـ “الإخوان”، عبر ترويج إشاعة عن تعيينه إما بدل الدكتور عبدالعزيز أبل أو نائبه في رئاسة مفوضية المؤسسة، مما يجعل الأمانة العامة لحقوق الإنسان تحت رحمة الحزب ورهن أغراضه التي لا يمكن لها أن تكون بمعزل عن أغراض الإخوان المسلمين في التلميع والتبييض، وهذا بالضرورة سيؤدي الى إهمال العمل الحقيقي للمؤسسة وسيهمش الكوادر الجادة المتمكنة المعطاءة أمثال الدكتور أحمد فرحان.
هل عرف السبب؟ هل ستقبل الدولة بخسارة كادر مميز ذي كفاءة لصالح تجربة عملية أثبتت عدم قدرتها على هذا الملف من خلال فشل وزارة حقوق الإنسان في إنجاز أي شيء كان مطلوبا منها إنجازه ما اضطر وزير الخارجية لاستكمال الجهد الذي أوضح موقف البحرين من ملفات مهمة وأساسية من ضمنها ملف حقوق الإنسان؟ ثم تضطر الدولة لإلغاء الوزارة وتضع نفسها محل التساؤل الدولي.
إذا حدث هذا، إذا لا تزال التيارات الإسلامية قادرة على السيطرة على مفاصل الدولة وقادرة على إبعاد وتطفيش الكوادر ذات الكفاءة، وهذه العملية نستطيع أن نطلق عليها تجريف الواقع العملي من كل طاقته البشرية القادرة على النهوض بالدولة ومؤسساتها، سيتركنا هذا التسابق بين التيارات الدينية على الوظائف الرسمية في حالة تصحر لا يرجى منها لا حرث ولا زرع ولا ثمر.
ستتوالى الأمثلة والقصص التي تزيدنا إحباطا من المؤسسة الرسمية كمستوى للأداء والإنتاجية في ذات الوقت، لأن هذه الكوادر بسبب عدم امتلاكها لما تعطيه ستعتمد على الاستعراض، (شو)، كما رأينا سابقا من وزير حقوق الإنسان حينما قابل صغار العاملين في بعض المنظمات وتم بعث الموضوع على أنه قابل المسؤولين الكبار، وكما رأينا أحد المسؤولين المحسوبين على الإخوان وهو يستعرض على الطريقة البيل جيتسية إنجازات مؤسسته الإلكترونية التي تتقدم عليها هيئة تنظيم سوق العمل بسنوات ضوئية منذ ما يزيد على العشر سنوات، وهذا ما يشوه الواقع ويجعل حسابات الدولة تقوم على أوهام ومعلومات غير واقعية.
الاستعراض سيبعد الدولة عن النهوض الحقيقي والتنمية، سيتركنا في مؤخرة الركب الإقليمي والدولي، حينها فقط بعد الصحوة المتأخرة للدولة على وقع الكارثة ستغادر الكوادر البائسة التي أرثتها لنا التيارات الإسلامية للاستحواذ على قرار الدولة، وستغادر بأفضل المميزات التقاعدية وبناء على القانون الذي هم وضعوه وهم من اشرف على تطبيقه سواء في ديوان الخدمة المدنية أو حتى في التأمينات الاجتماعية في مرحلة سابقة، لن تطرف للتيارات الإسلامية عين وهي تترك مؤسسات الدولة خربة ومنخورة كما حدث في الأمانة العامة لمجلس النواب، تركها ممثل السلف وانتقل بقدرة قادر إلى وظيفة رسمية جديدة بينما الأمانة تعاني من تشوهات لا تمكنها من أداء دورها المهم والحساس لخدمة السلطة التشريعية التي يعقد الناس احلامهم وطموحاتهم الحياتية والإنسانية عليها.
السكوت على حالة الدكتور أحمد فرحان وغيره من الحالات السابقة واللاحقة هي ما يحاسب التاريخ عليها أصحاب القرار، النماذج البحرينية التي تمتلك مواصفات تحقيق مشاريع الإصلاح بكل اشتراطاتها هي اساس الإصلاح وليست الأوراق والتنظير والأخبار الإعلامية، المشاريع الإصلاحية تحتاج إلى عمل مضن وبالتأكيد العمل المضني يحتاج إلى كوادر وطنية جادة تضع وطنها بمثابة حزبها الأول، وليس مرجعيتها أو آيديولوجيتها الحزبية أو مرشدها الشيعي أو السني.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية