العدد 2143
الأربعاء 27 أغسطس 2014
banner
غاب العدو وحل الصديق محله أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 27 أغسطس 2014

ربما يذكر الكثيرون أحد مشاهد مسرحية «كأسك يا وطن» والذي كان فيه دريد لحام أو «غوار الطوشة» يبكي بعد أن صفعه عسكري سوري من «ديرته»، حينها سأله زميل له عن سبب بكائه مع أنه تعرض للسابق لأشد من ذلك ضربا وتنكيلا على يد المستعمر ولم تسل له دمعة واحدة حينها، فرد عليه بأن ذلك كان أيام الاستعمار وبيد أجنبية أما اليوم فقد امتدت له يد مواطن مثله وضربته وهذا أشد عليه مما سبق، وكأن دريد لحام في هذا الموقف يجسد بيت الشعر الذي نظمه الفيلسوف الشاعر العربي حين قال: «وظلم ذوي القربى أشد مضاضة... على النفس من وقع الحسام المهندي».
ما يحدث اليوم في عالمنا العربي تجاوز كثيرا ما تحدث به الشاعر العربي في قصيدته وجسده دريد لحام في مسرحيته، وتجاوز كذلك ما حدث ويحدث من الأنظمة العربية بحق مواطنيها من سحل وتعذيب وضرب وإهانة مع أي معتقل من مواطنيها وبالذات المعتقل السياسي لزرع الرعب في نفسه ونفس من يعرفه أو يسير معه ليصل الحال إلي حروب طاحنة بين المواطنين العرب ذاتهم وكأن عداء غريبا وغير منطقي وغير مبرر تم زرعه بينهم جعلهم لا يرون غير السواد في الألوان والدم في السوائل.
ما نعلمه على الأقل أنه منذ بداية القرن العشرين لم تشهد الساحة العربية حربا بين مجاميع عربية تقاتل بعضها البعض، ولكن جميع الحروب والمعارك كانت تدور بين العربي والأجنبي الذي كان يمثل الاستعمار في الماضي، فقد كانت الحروب بيننا وبينه من أجل الحرية والاستقلال، أما الحروب الحالية التي نشهدها اليوم فلا نرى سببا منطقيا لها ولا هدفا ساميا يسعى المتقاتلون من أجله فجميعها تقريبا حروب عبثية يقتل فيها الأخ أخاه بدم بارد معتقدا أنه يجاهد.
حروبنا السابقة كانت من أجل أهداف سامية عامة كالحرية والاستقلال الوطني، أما حروبنا الحالية فهي تحدث سعيا وراء أهداف لا علاقة لها بذلك، بل من أجل أهداف غالبيتها ذاتية وأحيانا بلا أي هدف عند المتقاتلين الذين يخوضون حروبا ولا يعلم معظمهم أسبابها أو نهايتها كيف تكون، حروب من أجل العرق أو الدين (حسب فهم المتقاتلين) أو من أجل المذهب، وهي تحدث بين تيارات مختلفة وليس بين نظم متحاربة، في السابق كانت الحروب والأهداف واحدة مُوَحِدَة بين الناس، واليوم تحولت إلى حروب ممزقة للأمة مفرقة بين أبنائها.
حتى نهاية ستينات القرن الماضي لم نكن نعيش حروبا داخلية بالصورة التي نعيشها اليوم بل كانت الأمة واحدة متحدة ليس من الضروري سياسيا أو جغرافيا ولكن شعوريا وواقعيا على الأقل، جميع الأعراق والأديان والمذاهب كانت تعيش في ظل دولة واحدة، إلا أنها تفرقت بعد ذلك ودخلت في صراعات لا أول لها ولا آخر بسبب العرق أو الدين، بل وصل الحال بها إلى التقاتل بين أبنائها بسبب الانتماء المذهبي وتم اختزال أهداف الأمة السامية في أهداف ضيقة أغلبها يتسم بالذاتية والأنانية، فهي إما دينية كما حدث في لبنان ومازال قائما، أو عرقية كما حدث في العراق ومازال مستمرا وأُرِيدََ لها أن تحدث في مصر ولكنها فشلت، أو مذهبية كما شاهدنا ونشاهد في العراق وسوريا وأُرِيدَ له أن يحدث في البحرين ولكنه فشل حتى الآن.
لقد نجح الاستعمار الذي كنا نقاتله في السابق وخرج عسكريا صاغرا، نجح في زرع بذور الفتنة بداخلنا، ونمت هذه البذور وترعرت وأينعت أخيرا بعد أن أثمرت تيارات وأفكارا وزعامات أقل ما يقال عنها إنها تتسم بالجهل والأنانية وانعدام الرؤية، زعامات أدخلت تابعيها في بحر من جهلها وغيبت عنهم الحقيقة والواقع وأوصلتهم إلى الاعتقاد بأن نحر الآخر هو السبيل إلى الجنة، وكل تيار يرى الحق بداخله والباطل عليه الآخرون جميعا، يرى أنه الفئة الصالحة وما عداها جميعا طالحة.
لا نستطيع إلقاء اللوم بالكامل على الغير والاستعمار، فهو لا يستطيع الفعل والتأثير إلا من خلال الداخل، والداخل هنا هو النظام العربي الذي غابت عنه مصطلحات كثيرة كالعدالة والحرية والمساواة والثورة الوطنية وغيرها من المصطلحات التي تأتي بالاستقرار وتدفع إلى التطور والنمو، ومن خلالها يتم هدم جميع أفكار التطرف التي تجد في بيئة الفقر والكتمان والتمييز والظلم المكان المناسب لتنمو وتزدهر... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .