العدد 2201
الجمعة 24 أكتوبر 2014
banner
عزوف المثقفين عن الانتخابات أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الجمعة 24 أكتوبر 2014

من ضمن ما نقرأ هذه الأيام وفي خضم بدء الحملات الانتخابية وبعد ظهور أسماء المترشحين للمجلس النيابي، أنه بدأت التساؤلات حول قلة الوجوه المثقفة في القوائم الانتخابية، ولماذا تبتعد معظم هذه الأسماء عن الساحة في الوقت الراهن وتتركها لأغلبية بعيدة عن الثقافة وعن السياسة في نفس الوقت، وهو سؤال مشروع كنا قد طرحناه سابقة كثيرا وحاولنا وضع إجابة عليه، ولا ضير من العودة للموضوع مرة أخرى بهذه المناسبة.
أول الخيط للإجابة عن تلك التساؤلات يكمن في فهم العلاقة بين المال والثقافة، فما نعرفه ونفهمه ان هناك علاقة غير سوية بين الجانبين، ربما بسبب كون المثقف ليس لديه الوقت للبحث عن المال فكيف يزيده، فهو في جهة بعيدة عن جني المال ومراكمته كما يفعل الكثيرون الذين لا هم لهم إلا هذا المال، فالمثقف له هموم واهتمامات أخرى تكمن في البحث عن الحلول للمشاكل ومحاولة فهم تلك المشاكل وتحليلها كبداية لفهم كيف يمكن حلها، بالتالي فهو يترك جمع المال للمهتم به والبعيد عن الجانب الثقافي، وهذا ليس قدحا في جامعي المال أو الأغنياء كما يمكن أن يفسره بعض القراء أو كما يحب أن يوحي به البعض الآن خصوصا في خضم الحملات الانتخابية التي يبحث فيها المتنافسون أو بعضهم عن ثغرات يدخلون بها على منافسيهم أو يصطنعونها أحيانا، ولكنه فهم لتخصصات أو ميول عند البشر فبعضهم يهتم ويعرف كيف يجني المال والبعض الآخر لا يعرف ذلك أو لا يهمه ذلك، وهذه سنة كونية لا يستطيع أحد التحكم فيها، ومع ذلك هناك قلة قليلة من جامعي المال ممن لديهم نوع من الثقافة ويتحلون بها، ولكننا نتحدث عن الصفة الغالبة أو الطبيعية التي فيها تتناحر الثقافة مع المال.
لذلك ندخل إلى السبب الثاني وهو نتيجة للسبب الأول، ونعني به أن المثقفين من المترشحين – لو قرروا الترشح - يعجزون عن مجاراة أصحاب المال في الحملات الانتخابية التي تحتاج إلى الكثير من المال ويصل بعضها إلى ستة أرقام لتغطية مصاريف تلك الحملات. هذه الأرقام يعجز معظم المثقفين عن إيجادها مما يدفع بهم لفهم قدرتهم المالية والابتعاد عن المجال الانتخابي والاكتفاء بممارسة عملهم في جوانب أخرى كثيرة، ولكن ذلك لا يمنع البعض منهم من الإقدام على التجربة والخوض فيها حتى بدون هذا المال في اعتماد منهم على القدرة الذاتية والتاريخ الذي يمكن أن يشفع لهم ويحاربوا به المال.
ثم نصل إلى السبب أو النتيجة الثالثة في هذا الحديث عن العزوف الثقافي عن الانتخابات والتي تكمن في استخدام المال في الحملات الانتخابية، فمن أجل التغطية على العجز الثقافي وضعف القدرة السياسية التي عليها بعض أصحاب المال فإنهم يعوضون عن ذلك النقص في تقديم الرشاوى السياسية، أو بمعنى أوضح شراء الأصوات الانتخابية بالمال المباشر وغير المباشر وهي ظاهرة منتشرة في معظم الدول وليس عندنا فقط، هذه الرشاوى أو شراء الأصوات يبتعد عنها المثقفون حتى لو ملكوا المال لأنهم يعرفون معناها الحقيقي المناقض للثقافة والهادم للديمقراطية والمهين للنفس البشرية التي تمثل الهاجس الأهم عند المثقف، لذلك نرى أن من يملك نوعا من الثقافة يرفض وبشدة الدخول في هذا المعترك والمتمثل في شراء الأصوات لأنها تتناقض مع فكره ويأبى الدخول فيها من هذا المنطلق، فهو يفضل خلق صراع سلمي بين الآراء تتبين من خلاله قدرات كل فرد عن طريق الحوارات والمناظرات التي يبتعد عنها غير المثقفين ويأبون الدخول فيها لأنها تكشف عيوبهم التي يحاولون سترها بالمال.
هذه بعض الأسباب على التساؤلات التي بدأت تظهر في الصحافة مؤخرا حول بعض الأسماء التي دخلت المعترك الانتخابي، نأمل أن تكون قريبة من الواقع كما يراه المثقفون... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية