العدد 2256
الخميس 18 ديسمبر 2014
banner
بالقانون وليس بغيره أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 18 ديسمبر 2014

القانون هو سمة رئيسة من سمات الحضارة والتقدم الذي به وعن طريقه يقال دولة متقدمة أو أخرى متخلفة، فمن يسير على القانون سواء من الدول والأفراد يوسم بالتحضر والتطور، ومن يتجاوزه ولا يسير على هديه يوصف بالتخلف، ذلك ناتج عن تاريخ القانون نفسه أو تاريخ تطوره وتطور الأمم معه، فالكثير من الأمم أو ربما جميعها مرت بفترة سابقة على ظهور القانون حين كانت تسمى أي شيء غير الدولة، بالتالي يلتصق صفة الدولة بوجود القانون فيها.
لذلك في العصر الحديث لا توجد دولة بلا قانون، وأضحى التمييز بينها من حيث التطور والتقدم والاستقرار مقرونا باتباعها لذلك القانون ودرجة تطوره، فالدول صاحبة القانون المتطور والإنساني، والتي تسير على هديه بلا تمييز بين البشر تحت سقفه تكون في العرف دولة متقدمة ومتحضرة، أما الجانب الآخر ونعني به الدول التي تملك قانون، ولكنه ليس متطور أوأنه لا يساير تطور المجتمع أو أن هذه الدول تضعه صورة فقط وتسير بغيره أو تتجاوزه عندما تستدعي الحاجة ذلك، فإنها تكون خارج السياق وتمثل دولة ذات نظام متخلف غير قانوني وغير إنساني.
يدور جدل واسع في الوقت الحاضر في الولايات المتحدة الأمريكية حول التعذيب الذي مورس أيام بوش الصغير بحق أعداد كبيرة من المعتقلين، والذين اعتقلوا فترات طويلة وبعضهم مازال معتقلا حتى الآن دون محاكمة ودون أي دليل على ضلوعهم في أي عمل إرهابي، وقد مورس ذلك التعذيب خارج المجال الإنساني والقانوني، وإنما بقرارات فردية ناتجة عن فهم فردي تحدده رغبات أفراد لا أكثر، رغبات خاضعة للأهواء الفردية وليس للقانون، هذا الجدل الدائر حاليا يدور حول ما إذا كان يجب محاكمة من مارس التعذيب ومن قرره ومن وافق عليه أو سكت عنه أم لا؟ بصورة أوضح، هل يجب تطبيق القانون على كل أولئك أم يمكن أن يفروا بفعلتهم عن طريق عفو رئاسي يصدره الرئيس لصالحهم؟ مع أن العفو لن يكون بحد ذاته قانونيا كون تلك الجرائم مورست ضد الإنسانية التي يجرمها القانون الدولي ولا يسقطها بأي شكل من الأشكال.
وفي البحرين عندنا يدور جدل من نوع آخر بحق جمعية الوفاق ومن معها وما إذا يجب حلها أم لا في نوع من الضغط على الجسم القضائي أو الإدراي لاتخاذ قرار ما حتى لو كان القرار متجاوزا للقانون ذاته، والذي ناقش مثل هذه القضية أو ما يشبهها وحدد أموراً معينة توجب أو تعطي الحق بالحل للجسم القضائي وبحكم منه يقوم على معطيات قانونية واضحة وليس بقرار إداري قائم على الهوى الفردي، هذا الجدل هو الآخر يمكن أن يمثل خروجا على القانون أو تسييرا له في اتجاه ما وعلى هوى أفراد معينين.
في الحالتين نحن أمام أفراد أو جهات تريد الخروج على القانون أو تجييره لصالح مواقف وآراء تعتقد بصحتها حتى لو كانت القرارات تمثل خروجا على القانون الطبيعي والإنساني والمكتوب، وهذا الخروج – كما نرى ونعتقد على الأقل – يمكن أن يوسم الدولة هنا وهناك بسمات لا نريدها ولا نأمل أن تتصف بها، فالولايات المتحدة الأمريكية وصفت بأنها دولة القانون والحريات الإنسانية، وما جرى فيها أو بقرار من أفراد أو أجهزة فيها في تلك الفترة مثل نقضا لكل ذلك وقلب المفاهيم وأعطى الأجهزة المخابراتية الحق في تجاوز القانون وهدم المفاهيم الإنسانية، ومع ذلك نجد من يطالب بالتسامح مع من هدم القانون فيها خوفا من خضوع الكثرين في الحزبين الرئيسيين لنفس الموقف؛ لأنهم جميعا ومنذ عقود يسيرون على ذلك الطريق المخالف للقانون، لذلك لا يريدون فتح الباب الذي يمكن أن يفضح الكثيرين ممن استطاعوا يوما خرق القانون وأفلتوا حتى الآن بأفعالهم من المحاسبة القانونية أو التاريخية.
وفي المملكة عندنا كذلك نجد من يطالب بنفس الأمر وإن كان بزاوية معاكسة، بمعنى أن هناك من يطالب مقدما بنقض أو خرق القانون؛ لأنه يرى الحق في جانب قبل الحكم القانوني، وهذا يمثل هو الآخر خرقا للقانون لا نريده ولا نرغب فيه كوننا نريد أن توصف دولتنا بالقانون وبالسمة الإنسانية وليس بغير ذلك ... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية