العدد 2330
الإثنين 02 مارس 2015
banner
حول استقلالية القضاء أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الإثنين 02 مارس 2015

التعامل مع القضاء يتم في جميع البلدان على أنها سلطة ثالثة بجانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ويتم التباهي في الكثير من الدول حول استقلالية هذه السلطة عن باقي السلطات بصورة تامة تحفظ حقوق البشر وتقيم العدل وتنشر العدالة في المجتمع، ويتم التعامل مع القضاة كأفراد في السلطة القضائية بصورة مغايرة عن التعامل مع جميع المهن الأخرى – هذا لو اعتبرنا ان القضاء مهنة كغيرها من المهن – فهم مميزون عن الغير في العديد من الجوانب، ولكن السؤال المهم في هذا السياق وفي ظل ما نراه ونعايشه يوميا في جميع دول العالم وما نقرأه عن تاريخ القضاء في هذه الدول يتبادر إلى الذهن سؤال كبير ومهم وهو ما إذا كان القضاء – في أي مكان ودون تحديد – هو قضاء مستقل فعلا أم أنه يُصَوَّر على أنه مستقل مع أنه في الحقيقة غير ذلك وله علاقة غير طبيعية مع باقي السلطات في الدولة لا علاقة لها بالاستقلال مع السلطات الأخرى.
لا أعتقد بوجود من يستطيع اثبات استقلالية القضاء في أي مكان وأي زمان، ليس لعدم وجود من يؤمن بهذه الاستقلالية ويدعو لها أو يعمل عليها، بل هي منصوص عليها في الدساتير والقوانين، ولكن لأن هذا الأمر ربما غير قابل للتطبيق في ظل التركيبة التي عليها الأنظمة والعلاقات المتشابكة بين السلطات والقوة التي تملكها كل قوة وعلى رأسها السلطة التنفيذية التي تملك جميع مقومات القوة المادية والمالية والتي بها ومن خلالها تستطيع الهيمنة على باقي السلطات بصورة مباشرة أو في الكثير من الأحيان غير مباشرة.
يمكن إثبات استقلالية بعض “القضاة” كأفراد منتمين للجسم القضائي في مواقف معينة وأوقات محدودة ولكن ليس القضاء كجسم وفعل في معظم المواقف وجميع الأزمنة، أو على أقل تقدير الأغلبية منهم، هؤلاء الأفراد من القضاة الذين مارسوا الاستقلالية بذواتهم ومن خلال إيمانهم، يذكرهم التاريخ ويذكر أعمالهم ومواقفهم القانونية تحت قبة المحكمة لأنهم عملوا على أن يكونوا مستقلين بقراراتهم بعيدا عن تأثير القوة المادية للسلطة التنفيذية وغيرها من السلطات التي انتشرت في عصرنا الحديث كالمالية والإعلامية، ولأنهم رفضوا السير في الطريق التي سار عليها معظم رفاقهم من القضاة الآخرين الذين رضوا بعدم الاستقلالية الحقيقية والواقعية وقبلوا بالاستقلال الظاهري النظري، لذلك عانت تلك القلة من بطش الأنظمة وأجهزتها، وهذا هو السبب الذي جعل التاريخ يذكر مواقفها والقضاء يفتخر بهم ويمحو تاريخ ومواقف التابعين من القضاة الآخرين.
يمكن أن تكون قضية الحصانة التي عليها القضاء أو القضاة من أسباب عدم الاستقلالية مع أنها ربما وضعت من أجل أن يكون القضاء مستقلا، فالحصانة تدفع بأي قاض لأن يتمسك بها ويحول دون زوالها بزوال ممارسته للمهنة، بالتالي فإن هذه الحصانة قد تدفع بالكثيرين من المنتمين للجسم القضائي للرضوخ للسلطة التنفيذية التي تملك القوة المادية وهي القوة التي بها تستطيع أن تحيل أي قاض إلى فرد عادي.
ثم الحوافز المادية غير الطبيعية التي يحصل عليها القضاة، هذه الأخرى تجعل من القضاة راغبين في ديمومتها، بل في زيادتها مقارنة بالجهد المبذول من الكثيرين منهم، فإذا كانت هذه الحوافز بيد السلطة التنفيذية في معظم بلاد العالم وبالتعاون مع السلطة التشريعية في الكثير منها، فإننا هنا نرى أن مصلحة القضاة تكون بيد غيرهم وهو ما يعني تضاؤل مبدأ الاستقلالية التي يتحدث بها الكثيرون ويدعون لها.
ثم إنه في بعض الأنظمة تتم ممارسة أمر آخر يتمثل في الهبات والمنح التي تمنح للقضاة بحجة جعلهم في وضع غير المحتاجين، وتكون هذه المنح خارج الطرق العادية وترفع من مستوى القضاة الاجتماعي عن غيرهم في المجتمع وتجعل منهم فئة شبه مترفة، وبها – أي المنح – يمكن ربط القضاة بالجهة المانحة شاءوا أم أبوا، وهذا الأمر أخطر بكثير من الأمور الأخرى في النيل من الاستقلالية القضائية، ولكن مع ذلك من الحق القول إن هناك البعض منهم ممن يرفضون المنح والهبات والعطايا ويصرون على أن يكون لهم قرار مستقل، والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .