العدد 2549
الأربعاء 07 أكتوبر 2015
banner
هل كان عبدالناصر ديكتاتورا؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 07 أكتوبر 2015

كان هذا عنوان أحد الكتب القيمة التي وضعها المرحوم الدكتور عصمت سيف الدولة منذ سنوات طويلة، وبحث فيها بعمق فكر عبدالناصر في الجانب الديمقراطي، ثم توصل بعد البحث العلمي، وليس النظري، إلى انه لم يكن ديكتاتورا، بل كانت ممارساته منذ فجر الثورة تؤدي إلى أمر واحد، وهو انه كان يحمل هم الإنسان العادي البسيط ويعمل من أجله، وكانت جميع القرارات التي صدرت في عهده تؤدي إلى أن يأخذ هذا الإنسان دوره في بناء مستقبل وطنه.
وردت على البال هذه الفكرة بسبب ما تتناقله بعض المواقع حاليا عن هذا الزعيم في ذكرى وفاته التي صادفت الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي ومنذ خمسة وأربعين عاما، وبالمناسبة كانت وفاته في يوم الاثنين كذلك، المهم أن عبدالناصر وحتى الآن لم يترك ساحة الجدل بين ناقد وحاقد ومؤيد، ومع كثرة المؤيدين مقارنة بغيرهم، إلا ان ذلك لا يمنع تسرب بعض سموم الحاقدين من محبي الهدم لا البناء ومحاولتها إثارة البلبة والفتنة وقلب الحقائق من أجل إقامة اوهام في مخيلتها وهي تعرف أن هذه ليست أكثر من أوهام غير موجودة على أرض الواقع.
ومن هذه الأوهام التي تتسم إما بالحقد او الغباء او الاثنين معا ما تم تناقله في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي فقرة تقول ما يلي:
من أهم إنجازات الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر:
•تسبب في انفصال مصر والسودان
•تسبب في هزيمة 1967 واحتلال سيناء وغزة وباقي فلسطين
•تسبب في مقتل 120 ألف مصري في اليمن
•غدر بـ محمد نجيب
•سن سياسة الخداع والتضليل للشعب المصري
•هوى بالاقتصاد المصري إلى الجحيم
•إعادة النزعة الفرعونية إلى مصر وبداية تحويل المصري إلى كائن يفتخر بالفراعنة ويتجاهل الحضارة الإسلامية
•أسس جهاز المخابرات بقيادة صلاح نصر، ذلك الجهاز الرهيب الذي استخدم النساء كوسيلة من أهم وسائله حتى اصيحت الدعارة بطولة قومية
•أسس القومية العربية وبذر حبوب الشقاق بين المسلمين
•ساعد الهند ضد باكستان المسلمة لضم كشمير
•أسس صداقة متينة مع الجزَّار تيتو حاكم يوغسلافيا الذي كان يقتل ويرهب المسلمين.
كانت تلك كلمات غير موزونة ولا تتسم بالمنطق تم رصها بنوع من الغباء الفكري والتاريخي والاجتماعي من قبل جهة نعي تماما توجهها ولماذا تدسها في هذه الأيام، مع انها مارست ذلك الفعل طوال عقود طويلة من الزمن ومنذ وفاة ذلك الزعيم يوم الإسراء والمعراج الذي صادف وفاته عام 1970، ولكن لنحاول معا تتبع تلك الكلمات وتصحيح ما نقلته من مغالطات وكشف الغطاء عن الوهم الذي اتسمت به، ولنأخذها بترتيبها التي وردت به.
أولا: هل كان عبدالناصرالسبب في انفصال مصر والسودان؟
فهذه أول علامات الغباء التاريخي أو الجهل بالتاريخ عند من كتب تلك الفقرة، فالمنطق يناقض هذا الحديث من أوله، ويطرح تساؤلا عن كيف يمكن لمن يدعو للوحدة ويعمل عليها شعبيا ويضعها في مقدمة مواقفه الاستراتيجية، بل اليومية، كيف يمكن له أن يهدم وحدة قائمة (لو كانت قائمة بالفعل)، لأن الحقيقة تقول إنه لم تكن هناك وحدة بين القطرين ولم يكونا دولة واحدة من الأساس بل كانتا دولتين تحت حكم صوري واحد، فلم تكن هناك سلطة واقعية من قبل نظام الحكم في مصر على السودان، فقد كان تحت حكم ذاتي، وكان له رئيس وزراء بعيد عن سلطة نظام مصر حينها، وكانت له سلطة تشريعية مختلفة ومنتخبة من قبل السودانيين، والأهم من كل ذلك ان عبدالناصر حين وافق - وافق ولم يعمل على – استقلال السودان فإنه كان يحقق مطلبا شعبيا سودانيا حينها وقرارا صادرا عن السلطة التشريعية في السودان.
بمعنى أنه كان يمارس الديمقراطية الشعبية في صورتها الواقعية ولم يقف في طريق قرار شعبي صادر عن ممثلي الشعب السوداني حينها، بغض النظر عن صحته من خطئه – اي القرار الشعبي -، فقد كان الإنسان يحتل المرتبة العليا في نظره، وأمنه واستقراره يعلو عن الأمور الأخرى.
والواقع يقول إن عبدالناصر لم يكن له دور في استقلال السودان عن مصر بل حاول كثيرا ثني القيادات في السودان عن هذا الموقف ولكنهم رفضوا، وما حدث في مؤتمر عم الانحياز في باندونج قبل ذلك خير دليل على هذا القول، ولكن من يريد النيل منه يبحث عن قشة يتعلق بها، ويستطيع اتهامه كذلك بأنه وراء انفصال سوريا عن مصر بعد ذلك.
من يدعو للحق لا يمكن ان يسير مع الباطل، فالوحدة حق والتجزئة باطل كما كان يراها عبدالناصر، وفكر أي إنسان يكون دائما سمة لمواقفه وقراراته، وفكر عبدالناصر كان وحدويا وليس تجزيئيا... أليس كذلك.. وللحديث صلة.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية