العدد 2599
الخميس 26 نوفمبر 2015
banner
ماذا بعد إسقاط الطائرة الروسية في سوريا؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 26 نوفمبر 2015

هي الطائرة الثانية التي يتم إسقاطها خلال هذا الشهر، وتم ذلك عمدا كما حدث في الطائرة المدنية الأولى على أراضي سيناء، فتركيا تقدم بصورة غريبة على ضرب طائرة حربية روسية دون ان تضع في اعتبارها توابع هذا العمل وكأنها تريد توتير الوضع المتوتر من أساسه في المنطقة وتحويل مسار الأحداث إلى جهة أخرى أو طريق آخر غير الطريق الحالي وتوسيع رقعة القتال.
قد تكون روسيا مختلفة عن الولايات المتحدة ولم تقلب الأوراق ولم تتهور حتى الآن كما فعلت اميركا بوش الصغير ولم تطلق التهديدات هنا وهناك ولم تتوعد الجميع تحت شعار “إما أن تكون معي أو تكون عدوي”، كما فعل بوش الصغير عام 2011، ولكنها حتما تعرف الحقيقة وتعرف أين تم إسقاط الطائرة وكيفية حدوث ذلك، ولكننا نعرف أن الروس لن يتركوا الأمر يمر دون ردة فعل تناسبه وتناسب مكانة الدولة الروسية الدولية.
تركيا يبدو أنها تمادت اكثر من اللازم في انخراطها في الشأن السوري ودفاعها عن تنظيم الدولة الإسلامية وهي التي تستفيد أكثر من غيرها من هذا التنظيم، ولا تريد تدمير خط النفط المتصل من سوريا والعراق إلى الأراضي التركية والذي يسيره التنظيم ويستفيد منه كما تستفيد تركيا، فهي لا تريد في نفس الوقت توقف الإمداد النفطي الرخيص، لذلك ستعمل على حماية ذلك الخط كما فعلت مؤخرا بإسقاط الطائرة الروسية التي كانت في ما يبدو ترصد ذلك الخط أو تريد قصفه ووقف المد المالي لتنظيم الدولة الإسلامية عن طريق تركيا، لذلك وجدنا الطيران التركي يعمل على إسقاط تلك الطائرة على الأرض السورية وليس على الأرض التركية كما تقول تركيا، وجميع من لديه الحقائق يعرف ذلك ولكنهم لا يتحدثون به.
الخوف من أن إسقاط الطائرة الأخير سيمثل عدوانا تركيا مباشرا على روسيا، وقد يحول مسار الأحداث ويفرز المواقف الضبابية في المنطقة والتي تقف عليها الأطراف المختلفة، فتركيا التي تفتح أراضيها على مصاريعها للطائرات الأميركية وغيرها تحت ادعاء محاربة تنظيم داعش تترصد الطائرات الروسية التي تقوم بهذا العمل، وتركيا التي تعيث في المنطقة وتدخل الأراضي السورية والعراقية كلما أرادت تمنع غيرها من المرور على أراضيها الحدودية لمحاربة المنظمات الإرهابية، وهي تركن بالطبع إلى عضويتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وعلى القواعد الأميركية على أراضيها، وهي ترى أن هذا الحلف سيهب للدفاع عنها في وجه أي (عدوان) روسي أو أي رد فعل روسي على إسقاطها تلك الطائرة، بل هي لم تقدم على القيام بذلك إلا بعد التشاور والتعليمات التي تلقتها من القائمين على حلف الأطلنطي.
بعد الحادث لا يوجد منطق لدى الدولة التركية تقدمه حول الأحداث في سوريا، ولا تستطيع القول إنها تحارب إرهاب داعش أو غيرها، فهي كما هو واضح تقف في صف المنظمات الإرهابية وتعيق عمل من يحاربها، فهي أكثر المستفيدين مما يجري ومن تلك المنظمات نفطيا وجغرافيا على أقل تقدير.
ومن جهة أخرى يريد حلف شمال الأطلنطي جر الرجل الروسية في منطقة مختلفة عن منطقة محاربة الإرهاب في سوريا والعراق وإشغالها بأمور أخرى كما فعلوا في أفغانستان قبل ذلك وكما أرادوا أن يفعلوا في أوكرانيا مؤخرا وفشلوا في الأخيرة مع انهم نجحوا في الأولى، وكذلك يبدو أن روسيا استوعبت درس أفغانستان كما استوعبت اميركا درس فيتنام، إضافة إلى ذلك فإن الوضع في روسيا يختلف عنه في الاتحاد السوفيتي سابقا، ولا يستطيع الغرب التغني بأمور كان يتغنى بها أيام الاتحاد السوفيتي مع أنه مازال يريد ذلك ولا يزال يريد تأليب دول ومناطق على روسيا، ولكن محاربة الكفر التي رفع شعارها كما فعل أيام أفغانستان غير موجودة حاليا كون الغرب يشترك دينيا في ذلك مع روسيا اليوم.
نامل ألا تتطور الأحداث أبعد مما هي عليه الآن ولا تكون الحادثة بداية لأحداث اخرى كبيرة تجر المنطقة بكاملها لحرب طويلة قد تمتد إلى دول أخرى كما تريد أجهزة المخابرات المختلفة او كما تم التخطيط له مسبقا، مع أننا نعي ان روسيا لن تترك حقها يضيع كما يعتقد أردوغان او حلف شمال الأطلنطي... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .