العدد 2872
الخميس 25 أغسطس 2016
banner
رحل بصمت.. دون ضجة أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الخميس 25 أغسطس 2016

قد يجهله الكثيرون، وتعرفه قلة من الذين يتابعون ما يكتب في مجلته، يعرفه المهتمون بالثقافة والفكر، لذلك لم يعرف عن رحيله غير المقربين منه، فقد عاش حياته في عزلة مفروضة عليه من قبل النظام الذي حاربه حتى في لقمة عيشه بعد أن رفض النظام وما يقوم به بحق الأمة العربية ومصر على وجه الخصوص.
تشبث بموقفه أو مواقفه منذ دخوله العمل اليومي والرسمي بداية ستينات القرن الماضي عندما عمل سكرتيرا في السفارة المصرية في العراق (على ما أذكر من حديثه معي) وفهم الحقيقة من مصدرها، لذلك فهم أن مستقبل الأمة يكون في وحدتها وليس تفرقها، واستمر على المواقف التي كان عليها، فهو كان يرى أن نكسة 67 مؤامرة على الأمة من الغرب وليس من العدو الصهيوني فقط، وأن نصر أكتوبر تحول إلى هزيمة سياسية على يد النظام، وأن زيارة القدس عام 77 واتفاقية كامب ديفيد عام 78 ومعاهدة السلام عام 79 بين مصر السادات والعدو الصهيوني هي خيانة للأمة بكاملها.
لم يعترف يوما بالدول العربية التي كان يراها أجزاء من الوطن العربي الواحد، ولا يؤمن بالتفرقة بين الإنسان العربي في هذا الجزء أو ذاك، لذلك كنت أحب أن أراه كلما تواجدت في مصر المحروسة، وكان آخر لقاء جمعني به في أغسطس من عام 2014 وهي آخر زيارة لي لمصر، فلم أكن أستطيع أن أزور مصر ولا أزوره، وهو الذي كان يرحب بكل العرب في مكتبه قرب مستشفى القصر العيني، ولا أذكر أني دخلت عليه في مكتبه ولم أجد زائرا عربيا آخر يجلس معه، من اليمن أو العراق أو غيرها، المكتب الذي يدير منه دار النشر التي يملكها والتي عمل نظام مصر السابق على التضييق عليه فيها إلى أقصى درجة.
دخل المعتقل على أيام السادات وحسني مبارك لأنه كان يتحدث بما يراه واقعا وحقيقة، لم يحاول أن يتقرب لأي منهما كونه يراهما حادا عن الطريق الصحيح وعملا بما يناقض إرادة الأمة والشعب العربي في مصر، لم يتنازل عن مبادئه في سبيل المال، بل ضحى بالكثير ليظل واقفا لا ينحني رغم المرض الذي ألم به في سنواته الأخيرة، ورغم مرضه كان مكتبه مليئا بالكتب والمراجع التي يعود إليها كثيرا في لقاءاته رغم عدم حاجته لذلك، وكنت أحب الحديث معه كونه يملك الكثير من المعلومات والذاكرة الحاضرة التي تستدعي ما نريد من معلومات ومواقف تؤكد ما يتحدث به.
لم يطلب منصبا في حياته بل اكتفى بما هو عليه لأنه يريد أن يكون مستقلا غير تابع، والحديث يطول عنه لولا قصر هذه الكلمات. رحم الله “عبدالعظيم مناف” وألهم ذويه ومحبيه وأصدقاءه الصبر والسلون.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية