العدد 2733
الجمعة 08 أبريل 2016
banner
العراق... الفساد يتجدّد
الجمعة 08 أبريل 2016

المتفائلون الساذجون لا يزالون يريدون إقناعنا بكلّ سطحيّة، بأنّ الآمال الموهومة في الإصلاح والتغيير للنظام السياسي العقيم ممكنة ضمن دائرة المافيات الحاكمة، وما علينا نحن المتسرّعون من البرجوازيين الصغار، قليلي الصبر، سوى المزيد من الصبر والانتظار.
والمزيد من النزيف لما تبقّى من دماء في عروقنا اليابسة. يبدو أنّ قطراتها الأخيرة مطلوبة من قبل الجميع، كي لا تخلّف نسلا مشاكسا. التفاؤل مطلوب بطبيعة الحال، ولكن متى؟
حين يتقاعد المتفائلون السذّج ويتوقفوا عن ملاحقتنا في كوابيس اليقظة وفي المنام، وحين يكون للهراء بعض الحدود، ويكون لزمن السرديات الكبرى التي ناموا عليها عقودا ولم يستيقظوا بعد، خاتمة لأوهامهم وبداية لأحلامنا، حينها سيكون للضحايا متسع لثوان حالمة تختصر تاريخا من الكوابيس. الضحيّة التي يُراد قيادتها كالبقرة المطمئنة إلى المجزرة قد لا تدرك خيانة من قادوها إلّا متأخرا. الشهود غائبون طالما أنّ الذبيحة خرساء، ربّما لو كانت تعرف مصيرها المحتوم مسبقا، لما استجابت بهذه السهولة لقادة القطيع وترانيم الأحزاب المُستهلكة. معهم لا نعثر على شيء، نفقد كلّ شيء، بدونهم قد يكون ثمّة أمل.
القديم لا يتقاعد، يرفض التنازل عن كرسي الأستاذية، يعتقد بالوصاية، ولا يثق بالجديد ولا بالأجيال، القديم المقبرة التي تحكمنا. الأموات ـ الأحياء المسلّطون على رقابنا يجعلون من ولادة الجديد عسيرة. القديم لا يعترف بالتعفّن.
 سلطات ترفض الدفن. حكومات ما تحت التراب مصبوغة الشعر والشعارات. ترى فينا كلّ عُقدها الأبدية وتصرّ على أنّ النقد من هواجس الناقد. جثث الأفكار التي لا تُدفن، تُسمّم الأنفاس. هؤلاء الذين يسكنون بين الشهيق والزفير، يصرّون على الإقامة في الرئتين، يخنقون الأمل باسّم الأمل، يصنعون لنا آمالا مزيفة تتهاوى باستمرار حتّى نفقد الأمل، اليأس مطلبهم، مَن منّا سيكون صديقا للقمر؟ ومَن منّا الأقرب الى الله وإلى الحقيقة؟ هل هم صنّاع الآمال المزيفة وبائعو السراب؟ أم هم هؤلاء الذين يطرزون خيوط الأمل كلّ يوم بالصبر والدموع والدماء؟
العراق الذي كان يعرفه المنظّرّون القدامى والجدد، لم يعد ذلك المجتمع المركزي المركّب الذي يمكن أن تسري عليه النظريات والمقولات الجاهزة. عراق اليوم تتقاسمه العصابات والمافيات السياسية والدينية التي أعادت تشكيل البنى على مرامها وحسب تسعيرة السوق العالمية وشروط انخراط البلاد كتابع ذليل لمتطلبات الآخرين.
أقلية سياسية أنانية ومرتبطة بأجندات إقليمية ودولية، وأغلبية عظمى متضرّرة ليس لها سوى الله والمعجزة التي يسخر منها السفهاء، قد يكون هو الامتحان الأصعب للبقاء على قيد الحياة.
ثمّة من يرى في المعجزة ضربا من ضروب الخرافة، المخرّفون المتفائلون لا يقرأون سوى صفحة واحدة من التاريخ، الصفحة الأخيرة منها على الأرجح التي لا تروي حقيقة ما جرى. مَن لا يراجع الذات لا يمكن أن يتصالح معها، الزهايمر هو النظام الداخلي للأحزاب، والخرف هو المصير لأعضاء المكتب السياسي، وعلى مَن لا يصدّق هذا الكلام مراجعة الوثائق المتسربة من فضيحة “بنما” التي أسقطت أوراق التوت عن عورات الزعماء والمشاهير والقادة الذين قادونا الى الهلاك. إن لم تكن الأحزاب السياسية وطنية المعنى والمبنى، فهي ليست سوى عشائر بدائية تتخاصم حول المنافع والامتيازات كما هو حال البلاد هذا اليوم.
الفساد هو التاج والعرش والبلاط والأمراء والمهرجون. مَن كان منكم بلا خطيئة فليرم الفساد بحجر.
معالجة الواقع المرير تحتاج لمن يدرك جيدا طبيعة العوامل الحقيقية المتحكّمة فيه، بغيره نحن جميعا فاسدون وإن لم ننتم. دولة الفساد ستبقى ما لم نعالج أرواحنا الفاسدة ونتصالح معها. ماذا سنفعل غدا؟ “يحيا النفط، ويحيا الغاز”. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية