العدد 2747
الجمعة 22 أبريل 2016
banner
سوريا ممكنة في دولة اتحادية مناطقياً
الجمعة 22 أبريل 2016

لا نفشي سراً إذا قلنا إن تركيبة الواقع المجتمعي السوري شكلت إحدى أهم عوامل التعقيد في الحالة السورية منذ أن اندلعت شرارة الثورة المطالبة بالتحول الديمقراطي والتخلص من الاستبداد وما تلاها من تحطم لقبضة النظام الحديدية التي كانت تحبس السوريين جميعاً ضمن عموم المساحة الجغرافية في بلد أسمي سوريا الأسد. كما أن التركيبة المذكورة كانت إحدى أهم العوامل المؤثرة على مواقف القوى الإقليمية والدولية ودفعها إلى التردد والشك في إمكانية نجاح نظام ديمقراطي وسط هذا التنوع الإثني والمذهبي المتعدد واتجهت تلك القوى إلى السلبية في التعاطي مع الأزمة وعدم حسم الصراع لصالح أي طرف كان. المواقف المذكورة ساهمت في تفاقم الوضع نحو الأسوأ مع مرور كل يوم وتحولت حياة السوريين إلى مأساة حقيقية بكل المعايير وتم ادخال البلاد في متاهة ضاعت في حناياها كل آمال الخلاص واكتسب الصراع تدريجياً صبغة الحرب الأهلية أي الكل  ضد الكل أفقياً، عمودياً، طائفياً وإثنياً. بعضهم يسعى إلى تغيير السلطة من مستبدة إلى أخرى مماثلة وربما أسوأ. آخرون يريدونها كعكة للاقتسام وفصائل متطرفة تعمل على إدامة الصراع للحفاظ على حالة اللااستقرار والمستنقعية لتنفيذ مآربهم على حساب دماء السوريين، الصفة التي تجمع كل المسلحين المتحاربين بما فيهم جيش الأسد عدم  تمثيلهم الشارع الشعبي السوري العريض رغم ادعائهم ذلك. وفي الجانب السياسي  حتى هذا اليوم لم تتوضح صيغة نظام الحكم الذي لابد أنه آت وسيخلف الأسد وحزبه الذي مزّق البلاد وهجرَّ أهلها إلى كل شعاب الأرض هائمين على وجوههم هاربين من وطن صادره رئيس مصاب بالفصام مدعوم من دخول شركائه المتطرفين لمساعدته في قتل الشعب وإدخال البلاد في طريق معتم مسدود.
 حقيقة، الوضع السوري شائك لا يختلف عليه اثنان لكن على الرغم من ذلك فهناك كثير من التهويل عندما يتعلق الأمر بإمكانية إيجاد صيغة حل من شأنها أن تخرج السوريين من محنتهم لكن ذلك بالتأكيد لن يكون عبر اللقاءات الماراثونية في جنيف التي تجري دون أية خريطة طريق متماسكة يمكن التعويل عليها للتوصل إلى حل يرتقي إلى تطلعات السوريين عموماً.
التركيبة السكانية من الأديان والمذاهب المختلفة وخصوصية التناحر الطائفي الذي سببه لجوء النظام إلى استغلال طائفته العلوية في الحالة السورية للحفاظ على السلطة وإيهامها بأنها حرب مذهبية وجودية ضدهم من قبل الغالبية السنية وبالتالي سقوط النظام هو ضياع لهم، تجعل من ضرورة الدعوة إلى سوريا دولة يتم فيها فصل الدين عن الدولة وتجعلها الصيغة الوحيدة التي يمكن من خلالها تضمين المساواة في الحقوق والواجبات وتبعد شبح المحاصصة الطائفية.
الناحية الثانية: الإثنيات الأصيلة المختلفة المتواجدة على ترابها ضمن حدود الدولة السورية الحديثة التي رسمها الاستعمار، هنا نجد طروحات عديدة منها: إعادة انتاج الدولة المركزية، اللامركزية الإدارية مع المناداة بحقوق المواطنة المتساوية دون تمييز لعرق أو دين أو جنس ومؤخراً الفيدرالية التي أعلن عنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منفرداً.
إذا أخذنا بالاعتبار الرأي العام للشارع السوري فهناك توافق كبير بالرغبة  في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والتحول الديمقراطي من حكم البعث الشمولي والنظام العسكري إلى حكم مدني يضمن العدالة الاجتماعية والقانونية وتكافؤ الفرص وحرية الرأي والتعبير، هنا يحتل طرح المواطنة المتساوية الدرجة الأولى لكنها دون تضمين للحقوق الجماعية للإثنيات المختلفة في سوريا سيدخلنا في موقف مشابه جداً للموقف الذي حدث في مكدونيا حين قرر الاتحاد الأوروبي عام 2001 عبر (اتفاقية أوهريد) عدم التطرق إلى ذكر القوميات واعتبار مكدونيا دولة لمواطنيها وحينها اعترضت المكونات الإثنية في مكدونيا وفي مقدمتهم الألبان وطالبوا بنص صريح للاعتراف بهم كشعوب وأجبروا الاتحاد الأوروبي على إعادة صياغة فاتحة الدستور المكدوني بإضافة كلمة شعب إلى كل مكون وأصبح على الشكل التالي الذي قمت بترجمته من الانجليزية: “مواطني جمهورية مكدونيا،  الشعب المكدوني، وكذلك المواطنين الذين يعيشون داخل الحدود المكدونية والذين هم جزء من الشعب الألباني، الشعب التركي، الشعب الفالشي، الشعب الصربي،  الشعب الروماني، الشعب البوسني، وآخرون قرروا تأسيس جمهورية مكدونيا دولة مستقلة ذات سيادة”.
مثلما العلمانية تشكل الحل للخروج من إشكالية الطائفية المذهبية، كذلك التوافق على صيغة فاتحة الدستور السوري الجديد مفتاح الحل لمختلف إثنياتها وغير ذلك لن تشعر الإثنيات غير العربية بحقوقها المتساوية كشركاء في وطن واحد متساوين في الحقوق والواجبات ولذلك فان إحدى الحلول الرئيسة التوافق على  صياغة دستور جديد  بمشاركة الجميع وعلى غرار فاتحة الدستور المكدوني. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية