العدد 2784
الأحد 29 مايو 2016
banner
معركة بغداد!
الأحد 29 مايو 2016

مفصلية معركة الفلوجة يجب ألا تنسينا أن هناك مفصلاً مهما يجري في بغداد، حيث معركة من نوع آخر، ربما لا تنتهي الى السلاح وتقتصر على بعض الاحتكاكات التي يسقط فيها عدد محدود من الضحايا، لكنها المواجهة الأكثر قوة وهي التي تطبع مسار الحياة السياسية في السنوات القليلة القادمة.
بغداد كما أغلب المدن الأخرى، ويشمل الأمر أربيل، تعيش استياء ويأساً واسع النطاق، اتخذ لنفسه شكل احتجاجات حاشدة أو قليلة العدد منذ أواخر تموز 2015. لكن ما جرى في الشهرين الماضيين لم يكن مجرد تظاهرات، إنما مظهر من مظاهر الصراع السياسي الذي اعتلى موجتها، لأنها مساحة تدر الكثير قبالة فشل منظومة النهب. وبالفعل حقق المدنيون نجاحا باهراً حين جعلوا احتجاجاتهم قناة وحيدة وأساسية للتعبير عن التغيير، لكنهم أخفقوا، على مستوى المحافظة على طبيعتها المستقلة عن أحزاب السلطة في الخيارات الأخيرة.
قد يكون هذا قدر الاحتجاجات، إذا ما ارادت ان تستمر، حاجتها الى زخم من الصراع الدائر داخل منظومة الحكم نفسها، لكن سيكون الأمر على حساب كونها غير خاضعة لأي من القوى المساهمة في الحياة السياسية، إذ أخذت الآن الى اجندة الصراع. لهذا يفترض أن لا نتعامل مع التظاهرات الآن على اساس شعبيتها وحشدها الواسع فقط، إنما عن ادائها في النزاع الدائر، والذي عبرت عنه لحظة تمجيد المتظاهرين لنائب صدري وضرب نائب آخر، فهي لحظة رمزية معبرة عن عنوان ما آلت إليه الأمور.
بغداد كما الفلوجة، تعود لعام 2004، وهي ذات اللحظة التي شهدت معركتي حكومة إياد علاوي ضد حاملي لواء “المقاومة” في النجف والفلوجة. وهو النزاع الذي لم يحسم حتى الآن، بل جعل مدينة الجوامع رمزاً أساسياً في تصورات المدافعين عن الإرهاب باسم المقاومة أو الثورة، ولم ينجح بتحجيم دور التيار الصدري الذي انتقل مع الوقت من فصيل ذي نوازع قتالية الى آخر سياسي يمتلك قوة عسكرية ضاربة.
في الوقت الراهن الصدريون هم الأكثر حذراً من استخدام السلاح، يمكن أن يكون ذلك بسبب النضج الذي بلغوه أو الخشية من تكرار الاحداث الدامية التي تعرضوا لها مرتين خلال السنوات الماضية، ويبدو أن الآخرين هم من يسعى الآن لاستدراجهم نحو العنف، وذلك لأن رفع السلاح يعني خسارة مقبولية التظاهرات والاحتجاج السلمي، مهما تعالت الاصوات بضرورة وجود ثورة عارمة ومسلحة.
بالطبع يحاول المدافعون عن التيار تقديم مشروعه على أنه لا مبالاة تجاه المكاسب، بينما الأمر ليس كذلك، لأنه إن نجح بصناعة ما أسمي بـ “حكومة التكنوقراط” فإنه سيضرب عصفورين بحجر واحد، تقويض وجود الآخرين ضمن السلطة، وأيضا تحقيق حضور مختلف ضمن الحكومة، يتمثل بأنها مشروعه وإن لم تتضمن أسماء ممثلة له! فهو عارف أنه غير قادر على أن يشكل وزارة يغلب عليها ممثلوه، لكنه بخطوته الأخيرة سيشكل وزارة خاضعة لرؤيته التي طرحها، اي حكومة ينقسم ولاؤها بين العبادي والصدر، خصوصا أن رئيس الحكومة بدا قبل قمع آخر التظاهرات، قريبا من الصدريين.
هذا التحول الذي يختلف عما جرى في 2004 من ناحية العنف، ويشبهه من حيث طبيعة الصراع بين الصدر وأهم قيادات مجلس الحكم، وأغلبهم  “من الخارج”، هو عنوان حرب بغداد. ورغم أنها لا تصنع اصلاحات حقيقية، حتى وإن نجحت، لأن حكومة التكنوقراط لا تعدو أكثر من محاولة اعلامية، الا أنها تصنع اصطفافات جديدة، او يمكن أن تفعل ذلك. لكن الذي لم يحسب له جيداً، هو أن اقتحام مجلس النواب قبل فترة ومجلس الوزراء قبل أيام، أفقد التظاهرات أهم عناصرها، وهو أنها احتجاج، وأعطاها عنصراً ثوريا، رغم عدم وجود مشروع تغيير ثوري شامل، خصوصا أن هذا التغيير يمكن أن ينتهي الى حرب داخلية ليس واضحاً ما إذا كانت “سرايا السلام” تريدها.
في جانب آخر، ما حققه التياران الصدري والمدني في التظاهرات، سيواجه في حال انتهت معركة الفلوجة القوة السياسية المستجدة للمنتصر في المعركة، وسيسحب الشرائح غير “المنتمية” من المساهمة الفاعلة في أي فعل جديد. وهذا ما يفسر الحراك الذي تقوم به قوى سياسية عبر المحكمة الاتحادية التي يقال إنها ستسقط آخر جلستين من مجلس النواب، وتعيد الامور لسابقها قبل ذلك، وفق اتفاق يشمل أغلب خصوم الصدر. بمعنى آخر أن مجلس النواب سيؤخذ مجددا الى خياراته القديمة القائمة على المحاصصة، وفي الوقت نفسه تهميش المشاركة السياسية للصدريين. وهذا من الممكن أن يأخذ الصراع الى أبعد مدياته.
ربما تنتهي معركة الفلوجة قريباً، لكنها في بغداد لن تنتهي بسهولة، ربما تنتظر الانتخابات، وربما ستستمر الاحتجاجات الى ذلك التاريخ، أو يحصل متغير حاد يقلب الموازين قد يفجر العنف!. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .