العدد 2785
الإثنين 30 مايو 2016
banner
لقاء تاريخي في الفاتيكان (1)
الإثنين 30 مايو 2016

وسط تسارع الأحداث وتفاقم الأزمات إقليمياً ودولياً، حدث، مؤخراً، لقاء أعتبره غاية في الأهمية بين فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرانسيس، في لقاء وحوار يكتسب قيمة نوعية هائلة في ظل خطر الفتن والصراعات الدينية الذي يحلق في فضاءات عدة عالمياً. ولاشك أن إرساء قواعد العلاقة بين الحضارات مسألة بالغة الأهمية، وتحتاج إلى عقول ناضحة وراشدة، فمنذ العقد الأخير من القرن العشرين والعالم يعيش جدلا صاخبا حول ما يعرف بصدام الحضارات، وهي الأطروحة الشهيرة التي أطلقها صاموئيل هنتنجتون، الذي حذر في مقالته التي نشرت عام 1993 بمجلة “فورين افيروز”، وبشكل غير مسبوق من نشوب صراع بين الحضارات، وحذر في مبالغة غير محسوبة مما وصف بخطر الصعود الاسلامي، معتبراً أن الصراعات المقبلة لن تنكون اقتصادية ولا آيديولوجية بل صراعات حضارية، بحيث تصبح حدود التوتر وخطوط المعارك والصراعات المستقبلية هي الحدود الجغرافية الفاصلة بين تلك الحضارات، وهي الحضارة الاسلامية والصينية والغربية، وهي نظرية ذات بعد سياسي بامتياز لأنها تنطلق من السياسة وتهدف إليها، ولم تكن لها صلة وثيقة بالبحث العلمي لأنها استبعدت كل الحضارات الانسانية القائمة وركزت على الحضارات من زاوية سياسية بحتة ولافتة، فجاء تحذيرها من الحضارتين الاسلامية والصينية أقرب إلى تحليل سياسي منه إلى دراسة علمية مقنعة، فضلا عن أن هنتنجتون لم يستخدم الدين كمعيار للتصنيف الحضاري سوى في الحالة الاسلامية، في حين اعتمد على معايير هوياتية أخرى في هذا التصنيف! ما يهمني أن الحوار الاسلامي ـ المسيحي الذي تجسد في لقاء شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان خطوة حيوية لازمة لاحتواء آثار مثل هذه الأطروحات، التي أسهمت ـ ولو بقدر ضئيل ـ في إذكاء التوترات المتصاعدة والعداء الذي تفتعله الجماعات الارهابية الحالية بين الاسلام والغرب، وتنبع أهمية هذا اللقاء من كونه يأتي بعد سنوات طويلة من الجمود في علاقات هاتين المؤسستين الدينيتين المؤثرتين عالمياً، وتحديداً منذ تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها البابا السابق بنديكتوس السادس عشر في خطاب القاه في ألمانيا عام 2006. هذا اللقاء له أبعاد عميقة قد لا يدركها الكثيرون، فهو يصب في مصلحة ملايين المسلمين في الغرب، ويدافع عن مصالحهم ويتحدث باسمهم ويصدح بالحق دفاعاً عن صورتهم النمطية التي لحق لها التشويه جراء حماقات وجرائم الارهاب والارهابيين، وهو في الوقت ذاته يضرب المثل والقدوة ويعلي القيم الانسانية والحضارية التي دعا إليها الدين الاسلامي، فليس من المعقول أن نظل نتحدث عن التسامح والاعتدال في ظل بقاء ما يشبه جفاء العلاقات وضعف التواصل بين أكبر رمزين دينيين إسلامياً ومسيحياً. وأعجبتني تصريحات وكيل الأزهر الشريف الشيخ عباس شومان التي قال فيها إن شيخ الازهر سوف يحض الدول الغربية على “عدم التعامل مع المسلمين المواطنين (في هذه الدول) وكأنهم مجموعات تمثل خطرا عليها بل كجزء لا يتجزأ من مجتمعاتها”، وفي الوقت ذاته سوف “يحض المسلمين على الاندماج في مجتمعاتهم” الغربية، مشدداً على أن “الخطاب (سيكون موجها) للطرفين”، وهذه هي رسالة الأزهر التي ننتظرها ونترقبها، أي يقوم بدور فاعل وتوظيف ثقله الديني الهائل في التصدي للفكر المتطرف والمتشدد وأن يكون صوت الاعتدال الحقيقي للاسلام والمسلمين في مختلف مناطق العالم. والحقيقة أن هذا اللقاء هو تعبيرعن فكر رجلين في قمة المسؤولية الدينية ـ إسلامياً ومسيحياً، فشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عالم دين كبير ورجل مثقف ومتفتح وقادر على إدراك ما يحيط بالعالم الاسلامي من تحديات وما لحق بالدين الاسلامي العظيم جراء خلط المفاهيم والتشويه والاساءات التي لحقت به على يد المتطرفين والارهابيين، والبابا فرانسيس، بدوره، من دعاة الحوار ـ لا الصراع ـ بين الأديان والحضارات، وله تصريحات ومواقف مشهودة على هذا الصعيد، الأمر الذي يؤكد قيمة هذا اللقاء ويؤكد أهميته. إيلاف.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية