العدد 2799
الإثنين 13 يونيو 2016
banner
بين العبد وربه
الإثنين 13 يونيو 2016

المحاولات الكثيفة للخروج من التلاوم والبكاء والتباكي على حال أمتنا، ورفع السياط لجلد ظهورنا حزناً وأسفاً على ما وصلنا إليه، لم تجد نفعاً، حتى قررت أن أتحاشى عبارات من مثل عبارة الإمام محمد عبده التي أطلقها بعد زيارته الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، والقائلة: “رأيت الإسلام ولم أر المسلمين، هنا (أي في بلاده وبلاد الإسلام) أرى المسلمين ولا أرى الإسلام”، أو كما قال، ذلك لأننا كلما كررنا هذه المفارقات غصنا في المزيد من اليأس والهوّة التي نراها قائمة أمامنا لا ندري إن كان ردمها مستحيلاً فقط أم هو ما بعد المستحيل حتى يمكن أن نصل إلى المراحل الأساسية الأولية من التعاليم التي تجعلنا نفاخر بأنفسنا إنسانيتنا.
ما أعادني إلى هذا الموضوع مجدداً، رسالة على مجموعة في “واتس آب” تقول إن الدول غير الإسلامية أكثر إسلامية من الأخرى المنضوية تحت لواء منظمة المؤتمر الإسلامي، ومن المرات القليلة التي تبدأ الرسالة بعبارة “توصلت إحدى الدراسات الحديثة”، وترفق الدراسة معها.
في الحقيقة إن الدراسة ليست حديثة تماماً، فهي أعدت في العام 2010، وهي فترة تعتبر بقياس هذا الزمان ليست بالحداثة الكافية، ولكن يمكن الاعتماد عليها. ومعدّا الدراسة مسلمين من اسميهما وهما شهرزاد رحمن، وحسين عسكري، وهما من جامعة جورج تاون الأميركية، الدراسة التي جاءت تحت عنوان “كيف إسلامية الدول الإسلامية؟” How Islamic are Islamic Countries? (أرجو أن تكون الترجمة دقيقة)، ونشرتها فصلية Global Economy Journal الأميركية، ذهبت إلى فحص الكثير من الدساتير والقوانين والمعاملات والتعاملات والأحكام الصادرة في الكثير من دول العالم بشتى انتماءاتها، لمعرفة كيف يؤثر التمسك بالإسلام في كل من الاقتصاد والسياسة والسلوك الاجتماعي في هذه الدول التي جرى استطلاع هذه الأمور فيها على مستوى 208 دول، من حيث أخذها التعاليم الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهما الأساس الذي تنطلق منه الدول الإسلامية في وضع دساتيرها وقوانينها، إما بشكل مباشر، أو استيحاء منهما، وذلك في حقوق الإنسان والحقوق السياسية، والقوانين.
الدراسة التي ركزت على تدريس الإسلام في الدول الإسلامية، تحرّت خمس مناطق في هذا التدريس: الأولى تقصّي علاقة الإنسان بالله، وعمل الإنسان وفقا للمبادئ الإنسانية والمسؤوليات. الثانية، عدالة النظم والسياسات الاقتصادية والاجتماعية؛ الثالثة، النظام القانوني والحكم؛ الرابعة حقوق الإنسان والحقوق السياسية. والخامسة، عالم العلاقات الدولية (وخصوصا مع غير المسلمين)، وفي هذا الأمر توصل الباحثان إلى وضع معادلة لتقريب العمل البحثي إلى الجانب الرياضي حتى لا يكون محكوما بالعواطف قدر الإمكان. وخلاصة ما تقدم، كانت المراكز الأولى من نصيب نيوزلاندا، ثم في المركز الثاني لوكسمبورغ والثالثة إيرلندا في مدى اقتراب هذه الدول من التعاليم الإسلامية الثابتة، أخذاً بتطبيق جوهر الإسلام وليس مظهره، وجذوره لا قشوره، وكانت أول دولة إسلامية على هذا المقياس هي ماليزيا، وجاءت في المرتبة 38 عالمياً، أما أكثر دولة عربية تجلت فيها روح الإسلام الدين، فقد كانت الكويت، في المرتبة 48، وليس هناك من داع للاستمرار في الاستعراض المفجع والمثير للأشجان، فكل ما سيقال بعد ذلك عبارة عن صفعات على وجه خدرته كثرة الصفعات. بطبيعة الحال ما تعرضه الدراسة هو جهد بشري يؤخذ ويُرد، ولابد من التعرف عن كثب على منهجية الدراسة وطبيعتها... إلخ، ولكن، على كل حال، تعبّر عن زاوية مهمة في تخلينا عن قيمنا بينما الآخرون يأخذون منها، ليس بشكل مباشر بطبيعة الحال، ولكن هكذا تنتهي بهم النقاشات ليقرّوا قوانين ومفاهيم، كانت بين أيدينا ماء، فانساب بين الأصابع لما يمكن الإمساك به، من دون أن نتمعّن فيها، ومن دون أن نستخرج من هذه المفاهيم ما يمكن أن يجعلنا في المكانة المتقدمة على مقاييس الدارسين، إلا أن هذا لم يحصل.
من السهل على الإنسان (والمجتمعات كذلك) التخلي عن الأصعب، خصوصاً إن كان هذا الأصعب سيحدّ من سلطات أصحاب السلطات على أنواعهم الدينية والدنيوية، وملاحقتهم جزءاً من فخذ امرأة إن بان، أو الانكباب على أنواع آلات الموسيقى تحريماً وتجويزاً على كراهية، وسلسلة تستطيل من المحرّمات مع أن الأصل في الدين الإباحة، على اعتبار أن هذا هو الدين وحسب، بينما الحريات الاقتصادية والسياسية والفكرية وحقوق الإنسان، ليست سوى شعارات جوفاء ليس لها من الواقع أي حظ لأنها حتماً أبواب التساؤلات والمحاسبات عن الكثير جداً من الانتهاكات والمنع والتقييد، ولا أحد يريد فتح هذه الأبواب. لقد أتى الإسلام بحقيبة متكاملة من الأوامر والنواهي من الداخل والخارج، والأساسيات والفرعيات، فما كان منا على مرّ العصور إلا أن أفرغنا الحقيبة من الكتب الثقيلة التي تحتاج إلى شجاعة في مواجهة الأخطاء، كما تحتاج إلى خطط موازية، وطول نفس، والقدرة على المناورة والمرونة، وكلها من الأمور المفتقدة، واكتفينا بما لا يحرك عقلا من ورائه، كالستر والعورة ونتف الحواحب وترك اللحية. لن تفعل دراسة جورج واشنطن سوى الاصطفاف إلى جانب الكثير من الدراسات المشابهة والأقوال الناقدة التي تقول إن هناك من يستحقون الإسلام أكثر من أهله اليوم إن استمرت أعظم غاياتهم الاهتمام بالتناقضات، والتدخل في علاقة اهتمامات الشخص بربه.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .