العدد 2855
الإثنين 08 أغسطس 2016
banner
دعايات قارضة
الإثنين 08 أغسطس 2016

في الوقت الذي تسوؤني فيه الحملات التي يشنها الإعلام العربي على بعض الدول والجهات والمؤسسات والأحزاب، فإنه – في الوقت نفسه – تنتابني مشاعر مختلطة من الحزن والأسى والغضب والخوف أيضاً، على هذه الجهات الهاجمة.
فمنذ عقود من الزمن، والإعلام العربي يجرّد سيوفه تجاه العدو المشترك (الكيان المحتل)، ولكن بشكل هزلي ليس أكثر. فكم قرأنا عبر العقود الماضية، أن النظام الاجتماعي الإسرائيلي منهار من الداخل، والاقتصاد الإسرائيلي هشّ، وأن الجيش الإسرائيلي متقلقل لكثرة حركات التمرد داخله، وأن ثورات تكاد تندلع في الأراضي المحتلة نتيجة المواجهات بين الليبراليين والمتطرفين الصهاينة، فنستسلم لهذا الخدر اللذيذ، بأن لا نتعب أنفسنا، فللعرب ربٌّ يحميهم، وأن الغاصب سيندحر حتماً، ولا أدري من أين تأتي كل هذه الثقة من دون حراك أو تصور أو خطة محكمة طويلة الأمد، وهذا ما لا نقدر عليه، فنحن أهل “فزعات”، قد ننزل في عراك شوارع، قد نخلخل حدود بعضنا، قد نطلق النيران عبر الأسلاك الشائكة، ولكننا لا نصبر أبداً على تنفيذ الخطط التي ينجح فيها أصحاب قضايا باطلة عند الترويج الممنهج، والحقن الإعلامي الناعم لترويج أفكار، وتليين مواقف، وتحبيب، أو تخفيف العداء على الأقل من الجانب الشعبي لتلك الأفكار والمعتقدات التي ربينا على كرهها حتى نتمكن من محاربتها، وحتى نستعيد الحقوق المغتصبة، فما الذي انتهينا إليه اليوم مع هذا العدو الذي لم نكن ننطق اسمه إلا ونحن نعقد حواجبنا؟
انتهينا إلى أن هذا الكيان البشع لا يزال موجوداً وقد احتفل قبل ثلاثة أشهر بمرور 68 عاماً على ارتكابه واحدة من أبشع الجرائم البشرية في التاريخ المعاصر، وأنه اليوم أكبر مساحة مما كان عليه عندما أنشئ، وأن جيشه في المرتبة 11 في ترتيب الجيوش الأقوى عالمياً، وأن ناتجه المحلي الإجمالي 286.8 مليار دولار أميركي سنوياً، وهذا أعلى من جميع الدول العربية ما عدا المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة، علماً أن هذا الكيان الغاصب لا يملك كميات كبيرة من النفط والغاز، وأن اقتصاده قائم على إنتاج البرمجيات والتكنولوجيا والحواسيب والزراعة، وأن ستاّ من جامعاته من أفضل 100 جامعة على مستوى آسيا بحسب مقياس ويبماتريكس الإسباني، أما على المقياس الأصعب للجامعات، وهو مقياس جياو تونغ شنغهاي (الصيني) فأربع جامعات إسرائيلية مصنّفة من ضمن أفضل 150 جامعة عالمياً، وثلاث منها، دخلت لائحة تصنيف QS للتعليم العالي العالمي لأفضل 200 جامعة... كل ذلك ونحن لا نزال نراقب الساعات، وننزع أوراق الرزنامات في انتظار انهيار الكيان المحتل، بينما القسم الأعظم من الدول العربية هو الذي انهار اقتصاديا، وفشل سياسياً، وتراجع التعليم فيه بشكل مريع، وساد في العديد من أرجائه الفقر، حيث يقع حوالي 100 مليون عربي تحت خط الفقر، مع وجود 28 % نسبة بطالة إجمالية في الوطن العربي، ونسبة أمية تصل إلى 19 %، حيث تشير تقارير العام الماضي (2015)، الى ان أكثر النسب تتركز في موريتانيا (48 %)، وارتخينا لأننا غالبون لا محالة، فحال علينا الحول إثر الحول ونحن نأكل من مخازننا، وبسرعة كبيرة نتيجة التكاثر الذي ألهانا عن كل ما هو مهم، بما فيها المشاريع النهضوية القُطرية والقومية، ناهيك عن القول إن كل الأرقام المرعبة الخاصة بالبحث العلمي التي نطالعها عند الكيان، ثم نطالع شبيهاتها في البحث العلمي في الوطن العربي بأسره. ونرى كيف يدان أكبر المسؤولين إذا ما ارتكبوا ما يخل بالقانون، ويسجنوا، وكيف تنحرف عربات القضاء عندنا في الوطن الكبير عندما تصل إلى حمى المسؤولين الكبار، فإما أن تقيّد القضايا ضد مجهول، وإما أن يُدفع ببعض كباش الفداء ليدفعوا أثمان جرائم غيرهم، والسلسلة في نطاق المقارنات طويلة، وليست في صالحنا نحن الشعوب الأكثر نقاء وصفاء ومجاورة للحق. ذلك أننا فضلنا السبات على حقوقنا، تاركين النواميس تأخذ مسارها في إرجاع ما لنا من حقوق، حتى ولو بعد مليون سنة، ولم العجلة؟
لقد استمرأ العرب، هذا الدور الإرجائي لما يجب القيام به من أدوار، تاركين الشعوب في نوم أثقلته لزوجة العسل الذي يغرقون فيه، بأن الله كفانا المؤونة وشر القتال، فهذه أمم تتقلقل وهي ساقطة عمّا قريب، والقرب أمر نسبي، فلربما يكون بعد مئة عام أو ألف عام... لم العجلة؟! هكذا نرانا نتحدث عن الولايات المتحدة أنها على وشك السقوط، بينما أكثر المحللين تفاؤلاً يقول إن الصين “قد” تصل إلى ما وصلت إليه الولايات المتحدة خلال خمسين عاما من الآن، إن استمرت الأوضاع على ما هي عليه.
دارسو التاريخ المعاصرون لا يؤمنون إلا بالأسباب المؤدية للنتائج، فكانوا يرون أن أسباباً وراء ضعف الامبراطورية الفارسية، لذا هزمهم العرب المسلمون. وأن طبقية حادة سادت الامبراطورية الرومانية، فلا أحد بات يحارب في صفوف الجيش، فالكل كان يريد أن يصبح قائداً، فصارت جيوشها من العبيد، والعبد ليست لديه العقيدة الكافية للقتال والفناء من أجل من يستعبده. والحال نفسها رأوها في دويلات شبه الجزيرة الأيبيرية، فكان دخول المسلمين إليها وتكوين الأندلس فيها منطقيا. ولكن في كل هذه الوقائع المهمة، كانت هناك المبادرة من المسلمين الذين لم تذكر كتبهم أنهم حللوا الأوضاع الجيواستراتيجية، وموازين القوى، ولكن تصادف الضعف من جهة، مع الفعل من الجهة الأخرى، فتسارعت وتيرة الفتوحات وانهيار الأمم تحت ضربات سيوف أناس ما كان لهم أن ينتزعوا جذور كل تلك الممالك لولا أنهم كانوا مؤمنين بما هم كانوا ذاهبين إليه، ولو لم تكن ممالكهم مهيأة للتفتت والانهيار، لربما أخذ التاريخ مساراً آخر.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية