العدد 2871
الأربعاء 24 أغسطس 2016
banner
الانتخابات الأميركية ومرحلة الحملة السلبية
الأربعاء 24 أغسطس 2016


مع اقتراب موعد حسم انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في الثامن من نوفمبر المقبل، والتي يتنافس فيها مقاول العقارات المليادير دونالد ترامب ممثلاً للحزب الجمهوري ضد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي تمثل الديمقراطيين، يتابع العالم باهتمام بالغ الحملة الانتخابية التي يخوضها كلا المرشحين بكل ضراوة طمعاً في الفوز بأكبر عدد من أصوات الناخبين الأميركيين وانتزاع مفاتيح المكتب البيضاوي، حيث ترسم السياسات التي سيتحدد على أثرها شكل العالم في المرحلة المقبلة.
من سيقطن في البيت الأبيض؟ سؤال يجيب عليه الناخبون الأميركيون دون غيرهم، ولكن اختيارهم في الوقت ذاته يؤثر بشكل مباشر على جميع دول وشعوب العالم، الأمر الذي دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند إلى القول بأن الانتخابات الأميركية هي انتخابات عالمية، وكان ذلك في إطار سلسلة من التصريحات النارية التي أطلقها أولاند والتي انتقد فيها ترامب بشكل لاذع.
المتابع لحملات انتخابات الرئاسة الأميركية عبر التاريخ الحديث يدرك أن هذه الحملات، في الفترة التي تسبق موعد فتح أبواب مراكز الاقتراع مباشرة، دائما ما تتجه إلى السلبية، وتزداد هذه السلبية قتامة كلما اقترب اليوم المنتظر، فبعدما يدلي كل مرشح بدلوه ويطرح برنامجه ويكشف كل ما لديه من أوراق، لا يبقى أمامه سوى تسديد الطعنات للمرشح المنافس، وهي الحالة التي يطلق عليها المعلقون السياسيون الأميركيون مصطلح “الحملة السلبية”. ولكي تكون هذه الطعنات نافدة وقاتلة يلجأ الفريق الذي يدير الحملة الانتخابية لكل مرشح إلى جميع الأساليب المشروعة وغير المشروعة، بتخطيط وتدبير محكم بالطبع، بغرض النيل من سمعة المرشح المنافس.
يتكرر هذا الأمر مع كل انتخابات رئاسية في أميركا، ففي انتخابات عام 2008 ادعى الجمهوريون، خلال الحملة التي تنافس فيها باراك أوباما ضد المرشح الجمهوري جون ماكين، أن أوباما ليس من مواليد الولايات المتحدة وبالتالي لا يحق له بموجب الدستور الأميركي أن يتولى الرئاسة في بلاد العم سام. ولكنهم فشلوا في تقديم البيّنة التي تثبت ادعاءهم هذا. وقالوا إنه مسلم، وهو الشرف الذي أنكره عن نفسه أوباما طمعاً في الجلوس على كرسي الرئاسة.
حدث ذلك الأمر أيضاً مع جورج بوش الابن، إذ دبر مديرو حملة المرشح الديمقراطي جون كيري مكيدة كادت أن تطيح برأس بوش وتمهد الطريق لكيري لدخول البيت الأبيض، وقد ابتلع الطعم واحد من أهم ثلاثة إعلاميين بأميركا آنذاك، وهو الصحافي المخضرم “دان راذر”، إذ ظهر في تلفزيون CBS عشية الانتخابات يحمل وثيقة ادعى أنها تثبت تزوير بوش الابن لشهادة الخدمة العسكرية، واتضح فيما بعد أنها خدعة خسر “راذر” على أثرها سمعته ووظيفته ومكانته الكبيرة بين جمهوره واضطر إلى اعتزال العمل الإعلامي ليتوارى عن الأنظار لفترة طويلة، قبل أن يعود على استحياء كمذيع في قناة أرضية مغمورة تدعى AXS.
الحملة السلبية التي يخوضها ترامب وفريقه في هذه المرحلة تستهدف مؤسسة كلينتون الخيرية، حيث دعا ترامب هيلاري كلينتون وزوجها إلى إغلاق هذه المؤسسة، واصفا كلينتون بأنها امرأة فاسدة ومرتشية، وبالطبع لا ينفك الفريق الآخر في تصوير ترامب على أنه كلب مسعور لا يؤتمن على حمل مفاتيح الحقيبة النووية.
في خضم هذه المعركة المحتدمة والمفرطة في سلبيتها والتي يشتد وطيسها كلما اقتربت الليلة المنتظرة، تبتعد الأضواء عن الرئيس أوباما، بداعي أنه لم يعد شخصية مؤثرة في المشهد السياسي الأميركي بعد أن تحول إلى “بطة عرجاء”، وهو اصطلاح سياسي أميركي يطلق على الرئيس في السنة الأخيرة من ولايته، وقد أطلقت هذه التسمية على سيد البيت الأبيض لأن الرؤساء الأميركيين في آخر فترات حكمهم عادة ما يفتقرون إلى الدعم السياسي المطلوب لتمرير السياسات وتقديم مشاريع مهمة جديدة.
لكن في الوقت ذاته ينبغي توخي الحذر الشديد من هذه “البطة العرجاء”، التي قد تتحول إلى تنين قاتل في اللحظات الأخيرة التي تسبق حمل الحقائب والخروج من الباب الأمامي للبيت الأبيض. ونتذكر هنا أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وقع خلال عام 2000، أي في سنة “البطة العرجاء”، على أوامر تنفيذية لإسقاط قنابل على العراق قدّر الخبراء قيمتها بأكثر من 1.4 مليار دولار.
قد تحمل الانتخابات الرئاسية الأميركية مفاجأة بفوز ترامب أو قد تستمر هيمنة الديمقراطيين على البيت الأبيض بفوز السيدة كلينتون، وقد يصدر أوباما أمراً تنفيذياً معداً سلفاً داخل أروقة الحكم في أميركا. لم تحسم الأمور بعد، لكن الشيء المؤكد هو أن نفايات الحملة السلبية ستستمر في التطاير كحمم بركانية سامة حتى ليلة السابع من نوفمبر، وإلى أن تأتي تلك الليلة يُنصح بالحذر من “البطة العرجاء”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .