من الحكايات التي نسمع عنها ونعيشها بين الفينة والأخرى حكاية أمنيات الأموات التي يسمعها الأحياء، ومنهم من يحققها أو يحاول تحقيقها قبل فوات الأوان ومنهم من يتغافل عنها من باب التسويف، وتأجيل المهام والمسؤوليات، والالتزامات وحتى الأمنيات.
لم أكتب مقالي هذا لكي ألعب دور الواعظ والمرشد بقدر حرصي على تذكير نفسي وإياكم بجمال تحقيق الأمنيات قبل فوات أوانها وزوال بريقها، حتى لا يأتي يوم نتمنى فيه ونقول: ياليتني كُنت تراباً، ‏ياليتني قدمت لحياتي، ‏ياليتني لم أتخذ فلاناً خليلا، ‏ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول، فكم من مساوئ ومظالم وجرائم ترتكب في حق البشر والإنسان، وكم من مسؤول متجاوز نرى.
من الضروري أن تكون لدينا ثقافة “أمنية الميت” أكثر من الحي، فمن الميت نأخذ العبرة ومنه نتعلم أن الحياة رحلة وكل منا له نقطة نهاية يتذكر فيها “ياليتني”، سواء كنت أنت الميت أم أنت الحي.
فإن كنت الميت فستقول ياليتني فعلت كذا وكذا قبل مماتي، وياليتني لم أفعل كذا وكذا.. وإن كنت الحي فستعلم كم أنت مقصر تجاه نفسك وربك أو تجاه هذا الميت العزيز ولو لم تكن كذلك، فلم يعد باستطاعتك فعل أمور بسيطة تتذكرها من حين لآخر كانت بيدك، كادت ترسم البسمة وتنفخ الروح في داخله من جديد، لم تفعلها معه في حياته، تتمنى لو ترجع دائرة الزمن، رغم ان الأمر قد لا يتجاوز موقفا أو حتى كلمة طيبة لا أكثر. فيستحضرني قول الشاعر : نتمنى وفي التمني شقاء.. وننادي ياليت كانوا وكنا، ونصلي في سرنا للأماني.. والأماني في الجهر يضحكن منا.
ولو أمعنا النظر قليلا حولنا لرأينا أننا مقصرون في أمور عدة، قد تكون تجاه ربنا، تجاه والدينا، تجاه وطننا، تجاه علمنا أو عملنا، فلكل مسؤول أو شخص مقصر في أي أمر أقول قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ* أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ).
ولو كان الأمر بيدنا لأخذنا بيد فلان (الجائر، المهمل، المتجاهل... إلخ)، ومنعناه من التمادي في تيهه وتجاهله وذكرناه بأن الله يرى، وأن لا ينسى أن يتذكر أمنيات الأموات قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .