العدد 2882
الأحد 04 سبتمبر 2016
banner
آلان رسالــــة لنــــا جميعًـــا
الأحد 04 سبتمبر 2016



في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وارى ثرى مقبرة الشهداء في “عين العرب” شمالي سوريا جثمان آلان الكردي، ذلك الطفل السوري الذي هزت صورة جثته، وهي ملقاة على شاطئ البحر قرب مدينة يودروم التركية مشاعر العالم وقتها، ما أجبر أوروبا على فتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين قبل أن تغلقها مرة أخرى.
صورة الطفل آلان، وهو يفترش الرمال جثة هامدة أدمت قلوب كل من شاهدها، إذ بدا هذا الملاك البريء وكأنه نائم بملابس الخروج، تماماً مثلما يفعل باقي الأطفال في عمره عندما تنهكهم كثرة اللعب، لكن آلان كان وحيداً في أرض غريبة، وقد فارقت روحه الطاهرة هذه الحياة تاركة قلوبنا منهكة من شدة الحزن.
عجز قلمي وقتها، ولا يزال، عن وصف الألم الذي اعتصر قلبي بعدما رأيت صورة هذا الطفل، لم أجد كلمات أعبر بها عما بداخلي من حزن، واكتفيت بالدعاء إلى الله عز وجل ألا يؤاخذنا بما فعله السفهاء منا.
مضى عام كامل على رحيل آلان، ولم يتغير في سوريا شيء، وستبقى صورته منحوتة في الذاكرة كندبة مستديمة لا يمكن أن تمحوها قرارات دولية جوفاء بشأن سوريا، ولا إجراءات أوروبية عقيمة متعلقة بالهجرة.
لم أنس أبداً وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم عندما ظهر في مقابلة تلفزيونية عند بداية الأزمة قبل 5 سنوات، محاولاً أن يبدو في مظهر الواثق من نفسه، ويقول وهو يضرب بيده الغليظة على الطاولة “النظام السوري لن يسقط”. لا أيها المعلم، نظامك سقط بالفعل منذ اللحظة التي سمحتم فيها لأنفسكم بتعريض شعبكم لكل هذه الويلات، ولكن السؤال هو كم من روح طاهرة ستزهق، وكم من دمعة بريئة ستذرف قبل أن تطوى هذه الصفحة السوداء من تاريخ البشرية؟!
مأسآة آلان ليست الوصمة الوحيدة على جبين النظام السوري، فقبل أسبوعين فقط رأينا جميعاً الحالة التي بدا عليها الطفل عمران دقنيش ذو الخمسة أعوام بعد تفجير منزل أسرته في حلب، وكيف كان يمسح بيده الصغيرة عن جبينه الدماء المختلطة بغبار حطام غرفته، وهكذا حال الآلاف غيره من الأطفال الذين سقطوا ضحية تشبث هذا النظام القبيح بالسلطة.
فمن أجل أن تحتفظ حفنة من أشباه الرجال بمناصبها تشرد أكثر من 5 ملايين سوري، يشكل الأطفال أكثر من مليون منهم. في اليونان وحدها، الوجهة التي كانت أسرة آلان تأمل الهروب إليها قبل أن يغرق بها القارب في بحر إيجة، يعيش 27500 طفل سوري في المخيمات، منهم 2250 طفلاً ليس لديهم عائلات.
هؤلاء ليسوا أرقاماً، بل هم أطفال أبرياء ليس لهم في أمرهم حيلة، ولعل عودة جثامين آلان وأمه وأخيه لتدفن في “عين العرب” رسالة لنا جميعاً نحن العرب لتذكرنا كلما حاولنا أن نغمض أجفاننا بهول الكارثة التي يتعرض لها إخواننا في سوريا، ولتدعونا للتحرك بكل ما آتانا الله من قوة لنجدة هذا الشعب المنكوب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية