العدد 2889
الأحد 11 سبتمبر 2016
banner
حتى أنتِ يا “إكونوميست”!
الأحد 11 سبتمبر 2016



مع الانتشار الواسع والمتسارع للصحافة الإلكترونية والزحف المتواصل للإعلام الاجتماعي، الذي بدأ ينهال علينا كالسيل العرم، نشأت حالة من المنافسة المحتدمة والسباق المحموم بين الوسائل الإعلامية للحصول على أكبر عدد ممكن من المشاهدات، وبالتالي جذب المعلنين وجني الأرباح المادية كهدف أساس لمعظمها، بغض النظر عن مدى الالتزام بالمعايير والقيم الصحافية والمبادئ الأخلاقية لمهنة الصحافة.
وسط صخب وضجيج هذا النوع من الصحافة الانفعالية، انحسرت قائمة اختياراتي للقراءة الجيدة، وباتت تقتصر على عدد محدود من الصحف والمجلات العريقة التي أحسبها موضوعية وذات مصداقية، ومن بين هذه القائمة القصيرة تأتي المجلة البريطانية العريقة “الإكونوميست”، التي تأسست في سبتمبر عام 1843.
حتى فترة قريبة جدًّا كنت أعتبر “الإكونوميست” واحدة من قلاع المصداقية الصحافية، التي باتت عملة نادرة في عالمنا اليوم، إلا أن هذه المجلة العريقة أتحفتنا في عددها الأخير بتقريرين تمت كتابتهما في المنامة، وتناولا قضية توطين الوظائف في الخليج وإشكالية إجبار القطاع الخاص على توظيف المواطنين. التقريران تضمنا، على غير ما نعهده من هذه المجلة، بيانات جُمعت من مصادر متاحة على الإنترنت، ولم تطرح فيهما أي فكرة جديدة.
ليست هذه المشكلة، وإنما هي أن أحد هذين التقريرين، وتحديدًا الذي حمل عنوان “قوانين العمل في الخليج... من النفط إلى الكدح”، أظهر انحرافًا واضحًا عن معايير الصحافة وأخلاقيات المهنة، حيث اتهمت المجلة، بشكل مستفز وبتجنٍّ سافر، البحرينيين بأنهم كسالى، وذلك استنادًا إلى شهادة عاملة من جنسية آسيوية تعمل في أحد المجمعات الشهيرة في المنامة، ولم يكتف كاتب التقرير، الذي لم تذكر المجلة اسمه!، بذلك بل واصل إساءته للبحرينيين معتبرًا أنهم لا يأخذون العمل على محمل الجد، وللتأكيد على هذه الفكرة المعيبة والظالمة استدلّ برواية لصاحب أحد المطاعم قال فيها إن لديه موظفًا بحرينيًّا كان يأخذ إجازة وقتما شاء، وعندما قرّر الاستغناء عنه طالب ذلك الموظف بتعويض كبير.
ألم يجد هذا الصحافي الجهبذ غير البحرينيين ليضرب بهم المثل في الكسل؟! فهو إما جاهل، ولا يدري أن البحرينيين، دون غيرهم من مواطني دول الخليج، يعملون في كل الوظائف، وتجد منهم المهندس والطبيب والعامل والبائع والسائق، أو أنه يتجاهل عن عمد هذه الحقيقة ليجذب شريحة جديدة من القراء الذين لا يشغلون بالاً بأشياء باتت للأسف غير ذات أهمية في زمننا هذا، كالمصداقية والنزاهة والدقة والموضوعية.
لا أستبعد أن تكون العاملة الآسيوية صادقة، إذ تصادف أن البحرينيين الذين يعملون معها في المتجر لا يتمتعون بالنشاط المطلوب، ولن أكذب رواية صاحب المطعم، فحالة الموظف كثير الإجازات موجودة في أماكن عمل كثيرة، لكن أن تسحب هاتين الحالتين وتعممهما على شعب بأكمله كما أوحى هذا التقرير المشين، فهذا افتراء فاضح وإخلال معيب جدًّا بأبجديات العمل الصحافي.
“الإكونوميست” بهذا التقرير المسيء سقطت من نظري، وإذا كانت هذه المجلة حريصة فعلاً على الالتزام بالحد الأدنى من معايير الموضوعية عليها أن تقدم على الفور اعتذارًا لا لبس فيه عما بدر منها في حق مهنة الصحافة أولاً، وفي حق الشعب البحريني، الذي إذا أردنا أن ننصفه ونوفيه حقه، علينا نحن الصحافيين أن نقدمه إلى العالم بوصفه مثالاً يُحتذى في الاجتهاد والكفاءة والمثابرة ونموذجًا يقتدى به، ليس في دول الخليج فحسب بل في العالم العربي كله.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية