العدد 2892
الأربعاء 14 سبتمبر 2016
banner
إرث أوباما
الأربعاء 14 سبتمبر 2016

دائمًا ما ترتبط أسماء الرؤساء الأميركيين على مر العصور بمحطات تاريخية فاصلة وقرارات مصيرية حاسمة تختصر فترات رئاستهم في عنوان واحد يُعرّفه المؤرخون الأميركيون بـ “الإرث”.

فاسم جورج واشنطن، على سبيل المثال، يرتبط بإعلان استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وإرث أبراهام لينكولن هو إنهاء الحرب الأهلية والقضاء على العبودية، أما فرانكلين روزفلت فهو من أعلن دخول أميركا الحرب العالمية الثانية، وهاري ترومان هو من استخدم السلاح النووي للمرة الأولى والأخيرة، حتى الآن، في تاريخ الحروب.

قد يكون الإرث مشرفًا وقد يكون مخزيًا، لكنه يظل في كل الأحوال مرتبطًا باسم الرئيس الأميركي إلى الأبد.

وبسبب هيمنة الديمقراطيين على الإعلام الأميركي، نجد أن هناك تركيزًا على الجانب السلبي من إرث كل رئيس جمهوري، فعندما يذكر اسم ريتشارد نيكسون تتبادر إلى الأذهان فورًا فضيحة ووتر غيت، وكذلك الحال بالنسبة لجورج بوش الابن الذي ارتبط اسمه بحرب العراق وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، غير أن بوش نفسه لم يكترث بموضوع الإرث هذا، فعندما سألته الإعلامية الشهيرة كريستيان آمانبور بخبث، في مقابلة بتلفزيون CNN، عن الإرث الذي سيسجله له التاريخ بعد 100 سنة من الآن، أجاب بوش بغبائه العفوي المعهود قائلاً: “لا أبالي لأنني سأكون ميتًا حينها”!

الديمقراطيون يملكون أهم القنوات الإخبارية الأميركية، باستثناء Fox News وعدد قليل من الصحف والمجلات التي تخضع للحزب الجمهوري، لذا يركز الإعلام الأميركي بشكل عام على الإرث السيئ للرؤساء الجمهوريين ويمر مرور الكرام على ما صنعوه من إنجازات، والعكس يفعل مع الرؤساء الديمقراطيين.

فسرعان ما تناسى الإعلام الأميركي لبيل كلينتون فضيحة مونيكا لوينسكي، وكذلك تقاعسه عن التدخل المبكر في حرب البوسنة لفك الحصار عن عاصمتها سراييفو، ما أدى إلى مذابح وإبادة جماعية تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك كان بالإمكان تلافيها.

والآن نجد هذا الإعلام المتواطئ صامت صمتًا مريبًا على ما تشكله الأزمة السورية من إرث مخز لأوباما، في حين يمجد له الاتفاق النووي مع إيران، متجاهلاً أن أوباما أدار هذه الصفقة المشبوهة بسياسة دفتر الشيكات، وهو على علم تام بأن هذه المبالغ ستودع مباشرة في حسابات وكلاء إيران الذين يعيثون في الأرض فسادًا ويضاعفون حصيلة القتلى من المدنيين في سوريا، حيث قدّر مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا عدد الذين سقطوا هناك منذ اندلاع الأزمة وحتى 23 أبريل الماضي بأكثر من 400 ألف قتيل، أي ما يقرب من ضعف عدد ضحايا قنبلتي هيروشيما وناغازاكي معًا.

وفي حين أن قرار ترومان بتنفيذ الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي أدى إلى نهاية سريعة للحرب العالمية الثانية، فإن تخاذل أوباما الفاضح في التعامل مع الأزمة السورية قد ينتج عنه حرب عالمية ثالثة لا يعلم عقباها إلا الله.

لن يكون بمقدور أوباما أن يصلح في الأشهر الثلاثة المتبقية من رئاسته ما صنعه لنفسه من إرث مخز طيلة 5 سنوات، هي عمر الأزمة السورية.

وسيشهد عليه التاريخ أنه أشرف على واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، وسيرتبط اسمه بهذه الطامة إلى الأبد، ولن ينفعه إعلامه الديمقراطي ولن يشفع له فيلمه السينمائي الذي أنتجته هوليوود حول قصة حبه لزوجته ميشيل، والذي أتوقع أن يفشل في شباك التذاكر كما فشل بطله على أرض الواقع في سوريا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .