العدد 2911
الإثنين 03 أكتوبر 2016
banner
الحكمة تبطل “جاستا” والمشروع مستمر
الإثنين 03 أكتوبر 2016


منذ إعلان الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا سنة 1776، ورث “الآباء المؤسسون” الميول الاستعمارية من البريطانيين وكيفوها مع مقتضيات العصر، فأسسوا ما يعرف بالإمبريالية الأميركية اعتقادًا منهم بأنها ستعمل كمركز للجاذبية يلتف حوله المجتمع الأميركي المختلف الأعراق والأديان.
لكن سرعان ما تطورت هذه النظرية وأصبحت ذات بعد عالمي، وهو ما دعا الساسة الأميركيين لإطلاق ثلاثة مشاريع كبرى، الغرض منها هو الهيمنة على العالم؛ الأول “مانهاتن”، وهو المشروع الذي مكّن أميركا من صنع القنبلة الذرية وقدمها إلى العالم كقوة عظمى، والثاني هو مشروع غزو الفضاء، والذي مكنها من ضرب معنويات الاتحاد السوفييتي وأدى إلى انهيار الشيوعية، النظرية التي اعتبرها الأميركيون التهديد الأكبر على إمبرياليتهم، والمشروع الثالث هو 11 سبتمبر.
في مانهاتن، وبعد 20 عاماً من انهيار الاتحاد السوفييتي، وقعت أحداث 11 سبتمبر؛ هجوم مريب يهدف إلى ضرب العالم الإسلامي وتشويه صورة الإسلام، الذي يشكل من وجهة نظر الإمبريالية الأميركية التهديد الوحيد بعد الشيوعية. وعلى إثر 11 سبتمبر انطلقت الحرب على الإرهاب، وتم غزو العراق كجزء من خطة واسعة لإضعاف العالم الإسلامي وإصابته بداء الفتنة الطائفية، وعلى إثر 11 سبتمبر أيضاً صدر قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا).
أختلف مع كل التحليلات التي قرأتها عن جاستا، فهو لا يهدف إلى ابتزاز السعودية ماليًا، لأن السعودية لن تضطر لدفع تعويضات مالية على جريمة لم ترتكبها، والمشرعون الأميركيون يعلمون هذا جيدًا، ويعرفون أين يوجد الملف 17 الذي يبرئ السعودية، فهم لا يحتاجون إلى الذهاب بعيدًا لأن الملف موجود في قبو الكونغرس.
وأختلف أيضًا مع الطرح القائل إن اللوبي الإيراني هو الذي يقف وراء جاستا، لأن القضية أكبر من إيران نفسها، التي أتوقع أن تكون من أكبر المتضررين من القانون. ومن يظن أن الكونغرس عاقب السعودية بجاستا، وكافأ إيران بـ (JCPOA) عليه أن يعرف أن راعيي جاستا الرئيسيين؛ السيناتور الجمهوري العنصري جون كورنين والسيناتور الديمقراطي اليهودي تشك شومر، صوتا ضد (JCPOA)، والاثنان مدفوعان بالعداء للإسلام والولاء لإسرائيل ورأيهما في إيران معروف.
ولشومر تصريح شهير أدلى به في يونيو2010 في العاصمة واشنطن، حيث قال “الشعب الفلسطيني لا يؤمن بالدولة اليهودية، ولا يؤمنون بالتوراة ولا بالملك داود، لهذا لا يعتقدون بأنها (ويقصد فلسطين) أرضنا”، ناسيا أنه أميركي وليس إسرائيليًا.
كورنين سيكون الزعيم القادم للجمهوريين في مجلس الشيوخ، خلفًا لميتش ماكنويل، الذي قال إن جاستا “مجرد غلطة”، وشومر سيصبح زعيما للديمقراطيين في المجلس ذاته خلفًا لهاري ريد، الوحيد من أعضاء مجلس الشيوخ المئة الذي صوت ضد قرار إبطال “فيتو” أوباما.
كورنين وشومر رجلا قانون، ويعلمان جيدًا تبعات جاستا على القانون الدولي ومبدأ سيادة الدول، ولم تغب عن بالهما تحذيرات أوباما كما يدعي ميتش، لكنهما ومن معهما ينتظرون ردة فعل غير محسوبة ليتخذوها ذريعة لشن حربهم الجديدة ضد المسلمين. هذا القانون المستفز ما هو إلا مرحلة من مشروع 11 سبتمبر، ويجب التعامل معه بالحكمة، حتى لا ينال المتآمرون على الإسلام مبتغاهم.
ما أُنفق على 11 سبتمبر لم يستثمر بشكل كامل بعد، وسيواصل القائمون على هذا المشروع ضغطهم على العالم الإسلامي، إما أن يرضخ تمامًا للضغوط ويصبح جسدًا بلا روح، أو ينفجر غضباً ويقدم على عمل متهور، فينالون حربهم المنشودة وفق اختيارهم من حيث الزمان أو المكان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية